لكل إنسان توجه في الحياة، وهذا التوجه يكون عبارة عن توجه فكري معين أو نمط من التفكير الذي يوجه الإنسان في حياته أو فلسفة خاصة تتكون من مجموعة من الآراء والمعتقدات التي يؤمن بها إيماناً عميقاً ويعتمد عليها في كل حياته.
وينتج عن هذه الفلسفة الخاصة تصرفات الإنسان وسلوكياته المختلفة وكذلك تنتج عنها التعبيرات التي يعبر بها عن مواقفة المختلفة وعن الأشياء المحيطة بالنسبة إليه، وكذلك ينتج عنها إختياراته وأفكاره ومشاعره تجاه الأمور التي تواجهه في الحياة.
كل هذا يمكننا أن نطلق عليه بإيجاز شديد مصطلح ( التوجه الفكري)، وهذا التوجه هو ما يقود الإنسان في الحياه إلي النجاح أو الفشل، إلي النعيم أو الجحيم، إلي السعادة أو الشقاء.
وهو بمثابة البرمجة التي توجه الإنسان في حياته، ويشبه في عمله دائرة التحكم الإلكترونية التي توجد بالأجهزة المختلفة والتي تحتوي علي البرمجة التي تنظم عمل جميع الأجزاء المكونة للجهاز. وهذه الدوائر الإلكترونية تمت صناعتها والتحكم فيها بدقة شديدة بحيث إذا ضغطت علي زر واحد فقط في الريموت كنترول يتم تشغيل عدد من الأنظمة وإيقاف عدد من الأنظمة أخري في نفس اللحظة بمنتهى الدقة والتوافق.
ويعني مصطلح (التوافق) عدم تعارض أنظمة مع أخري، فإذا ضغطت علي زر ريموت جهاز التكييف علي سبيل المثال لإعطائه أمر بتبريد الغرفة فسيعمل هذا علي إيقاف كل أجزاء نظام التدفئة وتشغيل الأجزاء المسؤلة عن نظام التبريد فقط، وبدون هذا التوافق سيحدث تعارض بين النظامين فيعمل الجهاز علي تبريد وتسخين الغرفة في نفس الوقت.والعلم المختص بهذه الأنظمة الإلكترونية في الأجهزة والآلات المختلفة يسمى (علم التحكم الآلي) وهو من العلوم الهندسية.
الأمر الذي قد يدهشك الآن عزيزي القارئ بعد هذه الجولة البسيطة في الهندسة الإلكترونية هو أن علومنا الإنسانية في عصرنا الحالي تطورت لدرجة تشبه هذا التطور في العلوم الإنسانية، وأصبح من السهل التحكم في سلوك الإنسان بنفس الطريقة التي نتحكم بها في سلوك الآلات.
وسيكون من المدهش أيضاً أن تعرف أن هناك علم متفرع من (علم النفس) يسمى (علم التحكم الآلي) نفس الإسم المستخدم في العلوم الهندسية مستخدم أيضاً في علم النفس الحديث، وكذلك نفس الوظيفة وهي التحكم في سلوك الإنسان بدقة تشبة الدقة في التحكم في سلوك الآلات. نعرف أنه من البشاعة تشبيه الإنسان بالآلات ولكن هذه هي الحقيقة، وهناك أوجه تشابه كثيرة بين الإنسان وبين الآلات.
ومصطلح التوافق الذي أشرنا إليه عالياً هو مصطلح مستخدم في علم النفس، ويعني في العلوم الإنسانية عدم التعارض بين المستويات المختلفة للجهاز العصبي. وأحدث نموذج لمستويات الجهاز العصبي هو ما أوجده “جريجوري باتيسون” أستاذ علم الإنسانيات، ثم قام “روبرت ديلتس” خبير البرمجة اللغوية العصبية بتطوير هذا النموذج حتى وصل إلي هذه الصورة كما يتضح في الشكل التالي..
ولنا وقفة مع هذا النموذج في مقالات أخرى، لكن ما نود التركيز عليه في هذا المقال هو إلقاء الضوء علي علم التحكم الآلي في الإنسان، والتطور الذي وصلت إليه العلوم الإنسانية حتي أصبح من السهل تطويع الإنسان وتشكيله مثلما نفعل في قطعة الصلصال.
وكذلك مصطلح البرمجة المستخدم في العلوم الهندسية هو نفس المصطلح المستخدم الآن في في فرع آخر من العلوم الحديثة هو (علم البرمجة اللغوية العصبية) وهو علم شديد الفعالية والتأثير ومعني بتغيير التوجه الفكري أو الفلسفة الخاصة التي أشرنا إليها عالياً.
وفي الختام جدير بالذكر أن نشير إلي علم السياسة الحديثة الذي يعتمد الآن بشكل كلي علي هذه العلوم الحديثة بهدف التحكم في البشر وسياستهم حتى أن المحللين السياسيين العظام أمثال الفيلسوف الفرنسي “ميشيل فوكو” يطلقون علي السياسة الحديثة مصطلح (السياسة الإنتاجية) أي السياسة التي تُنتج البشر وتصنّعهم وتشكّلهم وفق نماذج أو موديلات مختلفة!.
تم التحديث في 7 ديسمبر,2019 بواسطة موسوعة الإدمان