تحدثنا من قبل عن الجزء الأول من مقالة الإدمان في مرحلة الخلخلة ، واليوم نستكمل معاً المشاكل والاضطرابات التي تعم على حياة المدمن الأسرية والاجتماعية والمهنية والنفسية …
الانعزالية والهروب من الواقع
يفضل المدمن العزلة وينسلخ عن أسرته أو يبتعد عنها نتيجة شعوره بأن الأمر أصبح فوق طاقته حيث يصبح الضغط مؤلماً، وقد يسعى الزوج أو الزوجة إلي الانفصال نتيجة الشعور بالعجز عن تغيير الوضع السيء.
وفي هذه المرحلة أيضاً يبدأ الشخص المدمن في تغيير نوعية روابطه الاجتماعية، حيث يكل من حوله منه ومن تصرفاته، وحيث يبدو له أنهم لا يفهمونه أو غير متفهمين لما يجري معه، فيسعى نتيجة لذلك إلي البعد عنهم واستبدالهم بأشخاص آخرين يفهمونه، وغالباً يكونون من المدمنين مثله، مما يزيد من تعقد الأمر.
وهنا يصبح تغيير العمل، وتغيير الزوج، وتغيير نوعية الروابط الاجتماعية، وتغيير نوعية الأصدقاء، وحتى تغيير الأماكن، كلها من أبرز مظاهر هذه المرحلة، ما يعني أنها مرحلة هروب من الواقع.
تزايد احتقار الذات والتطرف
ومن أهم سمات هذه المرحلة أيضاً الشك الصريح في قدرات النفس وانحطاط صورة الذات، ما يجعل من الشعور بالضيق الشديد أمراً ملازماً للمدمن بسبب ذلك الشك وكونه مأسور بين ما يحبه وما يحتاج إليه وما يجري في حياته. ومع هذا الشعور بالدونية واحتقار الذات يصبح التفاعل مع الآخرين حملاً ثقيلاً بدلاً من الألفة والمتعة، ويتزايد نمو إحساسه السلبي حول نفسه نتيجة لاضطراب علاقاته وزواجه وصداقاته، وهنا يحتاج إلي الترويح عن نفسه، يحتاج إلي الهروب من هذا الواقع المؤلم والشعور ببعض السعادة.
ويكون الترويح عن نفسه بالمزيد من التعاطي وبزيادة الجرعة أو بالانتقال إلي نوع مخدر آخر، أو بالبحث عن نوع مخدر أكثر قوة. ما يعني المزيد من الاستخدام المتطرف للمخدر والمزيد من التورط في الادمان والمزيد من الخسائر التي تعم علي حياته.
الاستمرار في الإنكار وتفاقم المشكلة
وتستمر المشاكل في التسلسل والتزايد وكأنها تتغذى علي ذاتها، حيث تظهر مشاكل اقتصادية نظراً لزيادة تكلفة الإدمان مما يجعل المدمن يدخل في دوامة الديون دون ان يشعر أن السبب في ذلك هو الادمان، فهو يعرف ان هناك شيئاً خطأ ولكنه يفسر هذا الشيء علي انه مجرد نوع من الاسراف، فقط اسراف وليس الادمان. وهو كما ذكرنا ينكر دائماً أن إدمانه هو المشكلة ويحتال علي نفسه بالإنكار.
والإنكار لا يأتي فقط من المدمن، بل ويأتي أيضاً من أقرب الناس لديه، فتقول الأم مثلاً: ” لا يمكن أن يكون ابني مدمناً، أولئك الشباب هم السيئون وليس ابني”، وهكذا فان من حوله ينكرون ايضاً ويساعدونه علي الانكار، وهذا ما يغذي انكار المدمن للمشكلة ويجعله يتمادى في الانكار، وكل هذه الانكارات من قبل الاسرة غالباً ما تشجع علي التمادي في التعاطي، الامر الذي يوفر للإدمان بيئة صالحة للنمو.
ان الاعتراف بالإدمان شيء صعب، وهذا يصعب الأمر علي المعالجين له، اذ يضطر المعالج إلي مواجهة كل هذا الكم من الانكار.
اننا جميعاً نحتال علي انفسنا بدرجات متفاوتة وننكر الكثير من المشاكل التي تتسبب في تعطيل حياتنا، الأمر الذي يجعلها تعود وتتكرر دون حل، وكذلك هو المدمن يحتال علي نفسه بإنكار الإدمان ولكن بدرجة أكبر، ربما لأننا ساعدناه أو دفعناه لإنكار الاعتراف بالمشكلة، عندما اعتبرنا أن المشكلة عار، وروجنا لفكرة الكمال بادعائنا الوهمي للكمال طول الوقت وتظاهرنا بأن الأمر علي ما يرام وأنه ليس لدينا مشكلة.
الاعتراف بالمشكلة هو أول الطريق نحو الحل.
تم التحديث في 24 مايو,2019 بواسطة موسوعة الإدمان