أحياناً نعتقد في بعض الناس أنهم مدمنين، لمجرد تصرّفهم بشكل مختلف في بعض المواقف، مما يجعلنا نتسرع في إصدار الحكم عليهم وتشخيصهم بأنهم مدمنين.
وأحياناً أخرى نكون محاطين ببعض المدمنين ولا نعرف أنهم مدمنين. فكيف نعرف المدمن وكيف نستطيع تشخيصه تشخيصاً دقيقاً ؟
هذا ما سنتناوله في هذا المقال بشئ من التأمل في شخصية المدمن، حيث أن هناك عدة خصائص او مظاهر أو سمات يتصف بها الشخص المدمن بشكل أساسي، وبمعرفة هذه المظاهر سنستطيع معرفة وتشخيص الشخص المدمن. وهذه المظاهر هي كالتالي ..
1- الإستمرارية
بمعنى أنه لا ينشأ الإدمان بين يوم وليلة، ولا يمكن أن يتحول الإنسان إلي مدمن بمجرد تعاطية للمادة الإدمانية لمرة واحده أو لعدة مرات،
لأن العادة الإدمانية تحتاج إلي وقت وإستمرارية في التعاطي بل ومثابرة وتدريب من الشخص حتي تتكون لديه ويصبح مدمناً.
صحيح أن كل المدمنين يُقرّون بأن أول مرّة من التعاطي هي التي فتحت لهم الباب أمامهم للإدمان،
لكن معظم الأبحاث التي أُجريت في هذا المجال تقول أن الأشخاص الذين يتعاطون لمرة واحده يفلتون غالبا من الوقوع في فخ الإدمان،
ذلك لأن هناك عوامل أخري كثيرة تساهم في تكوين العادة الإدمانية، ومن أهم هذه العوامل هو عامل الإستمرار.
ولكي يتحول الشاب إلي مدمن للحشيش علي سبيل المثال، عليه أن يستمر في تدخين الحشيش.
ولا شك أن البداية تكون بمساعدة الآخرين، حيث يُعرّفونه علي الحشيش وعلي كيفية تعاطية وتأثيره،
لكن البداية وحدها لا تجعل منه مدمناً للحشيش. أما بالإستمرار في تعاطي الحشيش يتحول الشاب إلي مدمن.
والإستمرار يعني أنه مُصرّ ومثابر علي ذلك، وقد يمضي وقتاً طويلاً في السؤال عن الحشيش والبحث والإستكشاف والتدريب،
وكل هذا يدخل في تكوين العادة الإدمانية الجديدة، ولا تكون العادة الإدمانية قد تكوّنت بدون عامل الإستمرار.
أما إذا توقف الشاب عن التعاطي فلا يكون مدمناً وهذا مهم جداً في التشخيص.
2- التورّط المتطرف
بمعنى المضي قدما نحو الإنحدار في الإدمان وتطور العادة الإدمانية بشكل متطرف أي الإستخدام المفرط للمخدر الذي يبدو وكأنه ليس له حدود.
ففي البداية يبدأ المتعاطي بتناول كميات صغيرة من المخدر ومع الإستمرار يزيد تدريجياً من الجرعة ويزداد تورّطاً في الإدمان.
وهذا التورّط يأخذ شكل متطرف إذ يتزايد الإدمان في الإستفحال حتي يقضي علي حياة المدمن الأسرية والإجتماعية.
وهذا ما يدفعه إلي السرقة من أجل شراء المخدر أو من أجل لعب القمار إذا كان مدمناً للقمار، وقد يضحي بالغالي والنفيث بسبب إستمراره في التورّط المتطرف هذا.
من المهم هنا أن نلقي الضوء هنا علي حقيقة هذا الأمر. ففي الواقع يكون هذا بسبب ضعف المدمن لا بسبب قوة موضوع الإدمان،
فالإستجابات المتتالية والمستمرة للرغبة في التعاطي تجعل منه تابعاً لموضوع الإدمان. تجعل منه عبداً ضعيفاً،
وفي كل مرة يستجيب فيها للتعاطي يزداد ضفعاً وتورّطاً في الإدمان. تتلاشى إرادتة كلياً أو تتحول إلي إرادة سلبية نحو الإدمان،
وتصبح فكرة الإقلاع عن الإدمان مرعبة مثلها مثل فكرة الإنتحار.
ومثال التدخين يوضح عامل التورّط هذا، فالمدخن يبدأ بتدخين عدد صغير من السجائر قد يكون سيجارة أو اثنين،
ولكن مع الإستمرار يزداد تورطاً وتزداد كمية السجائر حتي تصل لأعداد كبيرة. وهكذا تكوّنت لدية عادة إدمان السجائر أما بدون الإستمرار وبدون التورّط لا يكون مدمناً.
فهناك من الناس من اعتاد أن يدخن أو يشرب في المناسبات فقط ولكنه لا يستمر في التدخين أو الشرب بعد ذلك وكذلك لا يتورّط بزيادة الجرعة، ومثل هذا الشخص لا يكون مدمناً.
3- التدهور:
يجعل الإدمان الشخص المدمن في تدهور مستمر فتعم الخسائر علي كافة مناحي حياته، إذ ان خسائر الإدمان لا تقتصر علي المدمن فحسب بل تمتد أيضاً إلي كل عزيز لديه.
وأولى هذه الخسائر تكون صحته سواءاً الجسدية أو النفسية، فيصاب بالأمراض الجسدية أو النفسية مثل الاكتئاب والقلق المرضي والتوتر وغيرها من الأمراض النفسية.
ويكون هذا واضحاً علي المدمن، حيث تتغير عادات النوم والأكل ويبدأ جسده في الذبول وكأن الروح ترحل عنه. وكذلك تتدمر مبادئه وقيمه ومعتقداته الدينية،
ويظهر هذا علي شكل سلوكيات متطرفة مثل السرقة والخيانة والكذب وربما يصل الأمر إلي ارتكاب ابشع الجرائم.
وتمتد الخسائر لتشمل حياته العاطفية، فتستحوز عليه المشاعر السلبية كالغضب والحزن والخوف والقلق والشعور بالذنب والوحده والبؤس وغيرها من المشاعر السلبية الناجمة عن الإدمان.
كذلك تتدهور علاقاته الإجتماعية والمهنية ويستبدلها بعلاقات جديدة مع أشخاص منحرفين، فيخسر الأعزاء ويخسر عمله.
وكذلك يستهلك الإدمان أغلب وقته ويسرق حياته. وهكذا يعم التدهور كل حياة المدمن ولا مجال للدفاع عن أنواع من الإدمان مثل إدمان العمل وإدمان الرياضة لأن الإدمان هو الإدمان،
وإدمان العمل يؤدي إلي تدهور حياة الإنسان أيضاً لأنه يهلك صاحبه ويحتل وقت أسرته وأمور أخرى مهمة في حياته مثل الترفيه والإسترخاء.
وكذلك الحال مع إدمان الرياضة أو أي نوع من الإدمانات الأخرى فلا وجود لما يسمى بالإدمان الحميد أو المفيد لأنه هو نفس المجرم ولكن بسلاح مختلف.
وينبغي علينا أن نعرف كيف نفرّق بين الملاك والشيطان جيداً، لأن الشيطان قد يخدعنا ويتحدث إلينا بصوت ملاك.
4- العجز:
بمعني فقدان السيطرة والتحكم، لأن العلاقة الإدمانية هي علاقة بين طرفين، ويكون الطرف الأضعف فيها هو المدمن أمام الإدمان. وإذا كان المدمن هو الطرف الأقوى في تلك العلاقة فإنها علي الأرجح لا تكون علاقة إدمانية.
وهذه العلاقة تبدأ بشعور المدمن بأنه الطرف الأقوى وأنه قادر علي السيطرة والتحكم في تلك العلاقة ويدفعه هذا إلي التورّط أكثر وأكثر حتي يتمكن الإدمان منه وتصبح الرغبة والإلحاح في التعاطي شئ لا يستطيع مقاومته،
لكنه لايزال يتمنى أن يمسك بزمام الأمور ويدّعي أنه مسيطر ولا يقبل أن يعترف بعجزه أمام الإدمان، وعدم قبوله لعجزه يجعله يتورّط أكثر إذ لا يوجد أي مخرج إلا عن طريق الإعتراف بالعجزعن تعاطي المخدر لأن ذلك يفتح له الطريق أمام طلب المساعدة من الآخرين، تلك القوة الجديدة التي تدعمه وتساعدة.
اننا جميعاً لدينا أمور كثيرة نعجز عن التحكم فيها، وجميعنا بحاجة إلي الإعتراف بعجزه، لأن الاعتراف بالعجز يجعلنا منفتحين علي قوة أكبر بكثير من قوتنا، هي قوة الآخرين عندما نطلب منهم المساعدة خصوصاً إذا كانت مساعدة متخصصة، وقوة الله سبحانه وتعالى عندما نصلّي إليه ونطلب عونه ومساعدته.
ان الله دائماً بجوارنا، بانتظار ان نطلب مساعدته.
تم التحديث في 12 مارس,2019 بواسطة موسوعة الإدمان