كيف يمكن للإنسان أن يتحول إلي مدمن لأي شيء، وربما لأشياء مفيدة مثل الأكل والعمل وحتي لزوجته أو طفله ؟!، ومن أين اكتسبت المخدرات كل هذه القوة والسطوة التي تسطو بها علي حياة أشخاص أذكياء وتجعلهم يدمرون حياتهم بأنفسهم؟، وما هو الادمان؟، وما هي المخدرات؟، ومن أين جاءت؟
هل أتى بها الشيطان ليختبر بها ما هو هشاً وضعيفاً في الإنسان ؟
في هذا المقال سنلقي الضوء علي المخدرات بمفهومها الأوسع، وعلي علاقة الإنسان بالمخدرات (الادمان) بمفهومها الأوسع، وسنبحث عن بعض الحقيقة – وليس كلها – أو بعض الأسباب الخفية أو الغائبة عن الكثيرين، والتي تعطي لها كل هذه القوة والسطوة علي حياة الإنسان، لعلنا نستطيع أن نلفت النظر إلي بعداً جديداً من أبعاد الادمان ونسلط الضوء علي درساً مفيداً في الارتقاء بواقع حياة الإنسان – بشكل عام – إلي الأفضل.
في البداية يجب ان نلقي نظرة علي قصة المخدرات ومن أين جاءت.
المخدرات ومن أين جاءت
المخدرات هي مواد كيميائية ذات تأثير ضار علي جسم وعقل ونفس الإنسان، وتتعدد أنواعها وأصنافها وخصائصها ودرجات تأثيرها،
فمنها الحشيش والأفيون والكوكايين و الهيروين والبانجو وغيرهم.
وتتعدد أشكالها أيضاً، فمنها ما هو علي شكل بدره ومنها علي شكل عجينة ومنها علي شكل نبات مجفف ومنها علي شكل أقراص ومنها علي شكل حقن وغير ذلك الكثير من الأشكال.
ولقد قام الإنسان القديم بتناولها بدون علم مسبق بها وبأضرارها الجسيمة، وربما كان عدم توفر المعرفة مبرر مقبول للإنسان القديم، ولما أشعرته بالنشوة وببعض السعادة ظن أنها مفيدة واستمر في تناولها بل ونسج حولها الأساطير.
ففي الهند كان الهندوس (معتنقي الديانة الهندوسية) يعتقدون أن إله يدعى (شيفا) هو من أتى بنبات القنب (مصدر مخدر الحشيش) من المحيط، ثم تقوم آلهة أخرى باستخراج مادة الحشيش منه وكانوا يصفوه بالرحيق الإلهي، وطبعاً لأنهم وجدوا في تناوله إحساساً بالسعادة. ولو كانوا يعرفون عنه كما نعرف اليوم من معلومات مثل استهدافه لمراكز المكافأة في الدماغ وتسببه في اضطراب نظام افراز الهرمونات الطبيعية داخل المخ، لما كانوا بجلوه كل هذا التبجيل.
وفي اليونان كان الإغريق ينقشون صوراً علي جدران المعابد والمقابر لنبات الخشخاش، واختلف التفسير الرمزي لكل من هذه النقوش وفقاً للإله الذي يمسك بها، فاذا كانت الإلهة المزعومة “هيرا” مثلا هي التي تمسك بها دل ذلك علي الأمومة، واذا كانت الإلهة المزعومة “دميتر” دل ذلك علي خصوبة الأرض، وإذا كان الإله المزعومة “بلوتو” دل ذلك علي الموت أو النوم الأبدي، وهكذا انتقلت هذه النقوش من جيل إلي جيل في الميثولوجيا (علم الأساطير) اليونانية.
وفي العراق القديمة عرف السومريون الأفيون وأطلقوا عليه اسم نبات السعادة، وتتحدث بعض آثارهم التي تعود إلي عام 3300 قبل الميلاد عن موسم حصاد الأفيون. وكذلك عرفوه الفرس والبابليون والصينيون والهنود، ثم انتقل إلي الغرب في اليونان وروما ولكنهم أفرطوا في استخدامه وأدمنوه، وأوصى حكمائهم بمنعه كما تؤكد المخطوطات القديمة لحكمائهم أبو قراط وهوميروس وأرسطو وفيرجيل.
وأما المصريون القدماء فهم أول من اكتشفوا (الأفيون) قبل الميلاد بأربعة آلاف عام، وكانوا يستخدمونه في الأغراض الطبية لعلاج الأوجاع، كما يستخدم الآن كمسكن للآلام الحادة.
وهكذا انتقلت المخدرات من جيل إلي جيل مرتبطة بالأساطير التي كانت تنسج حولها نتيجة قلة المعرفة عنها.
وهذا أمر طبيعي لأن العقل الإنساني دائماً ما يبحث عن قصة أو أسطورة لكي يكمل بها الصورة، وإن لم يجد فإنه يبتدعها، وربما لذلك ظهرت الميثولوجيا أو الأساطير.
ويبدو أن الإنسان بارع في اختلاق الأعذار والمبررات التي يمكنه أن يخدع بها نفسه والآخرين لأي سلوك أو فعل يفعله.
فبرغم التطور الحضاري والتقدم العلمي وتوافر المعلومات التي تثبت أن المخدرات كلها أضرار وليس بها أي منافع للإنسان استمر بتناولها متذرعاً بكل الحجج والأعذار والمبررات التي يحتال بها علي نفسه من أجل الاستمرار في تعاطي المخدرات.
فما السر في ذلك؟، وهل المشكلة في المخدرات أم في الإنسان؟، وماذا إذا نجحنا في إخلاء البلاد من كل أنواع المخدرات؟، هل ستختفي؟ أم أنها ستأخذ أشكالاً أخرى؟
هذا ما سنعرفه في المقال القادم بإذن الله …
تم التحديث في 17 مايو,2019 بواسطة موسوعة الإدمان