يقول الفيلسوف الروسي ليو تولستوى “الشخص الذي لديه فكرة خاطئة عن الحياة ستكون لديه فكرة خاطئة عن الموت” .. ونضيف إلي هذا القول أن الشخص الذي لديه أفكار خاطئة عن الحياة لن يستطيع أن يحيا إطلاقاً. وفي هذا المقال سنعرض إحدى الأفكار الصحيحة عن الحياة وهي العلاقة بين اللغة والحياة.
ان اللغة بمفهومها الواسع – أي اللغة المنطوقة والغير منطوقة – شئ هام جدا في الحياة شأنها شأن الماء والهواء والطعام لأنها تعبر عن التواصل الإنساني، ذلك الجزأ السامي والأصيل من إنسانيتنا، فالإنسان لا يمكنه أن يتمتع بكامل صفات إنسانيته دون التعامل مع غيره من البشر. يقول الفيلسوف الألماني “كارل جاسببرس” : “أسمى إنجاز للبشر في العالم هو التواصل بين شخص وآخر”.
وما اللغة إلا أفكار منطوقة ومعبر عنها من خلال الكلمات بدليل أننا نفكر باللغة، أي أن اللغة والفكر مثل وجهان العملة المعدنية الواحدة. وما هو الفكر ؟ أنه الأعطية التي أعطاها الله للإنسان وميزه بها عن سائر الكائنات، فالإنسان وحده هو الذي يستطيع الإنتقال من المعلوم إلي المجهول ليكتشف أو ليبتكر حل جديد لمشكلة ما، أي أن الفكر هو ما يجعل من الإنسان إنساناً، وبما أن اللغة تعبير عن هذا الفكر فإنها بذلك تكون جزأ من إنسانيتنا أيضاً ومن كينونتنا ولعل ذلك ما جعل الفيلسوف “مارتين هيدجر” يشير إلي اللغة بأنها “محل إقامة الكينونة”.
ولكي تتضح أكثر الأهمية القصوى للّغة ولمدى تأثير الحوار البناء أو الحوار المدمر علي الإنسان إليكم هذه القصة.
الإمبراطور فريدريك، حاكم إمبراطورية روما العظمى في القرن الثالث عشر، أراد أن يعرف أي اللغات كانت تُستخدم عند بدء الخليقة. هل كانت العبرية أم اليونانية أم اللاتينية؟ فأمر بإجراء تجربة تُعاد فيها الظروف والأحوال التي كانت موجودة في ذلك الوقت بقدر المستطاع. وكانت التجربة هي أن يتم عزل مجموعة من الأطفال ويحرموا من سماع أي حديث بشري من لحظة ميلادهم إلى أن يتحدثوا اللغة الخاصة بهم. وقامت بعض المرضعات برعاية الأطفال، وتلقت تلك المرضعات الأوامر بالتزام الصمت أثناء وجودهن مع الأطفال. ونفذت كافة الأوضاع بنجاح. وكانت النتيجة: وفاة كل الأطفال.
إننا نحيا باللغة واللغة تحيينا، فكلمة تشجيع تولد بداخلنا الطاقة وتحرك الدماء في كامل جسدنا فتتجدد خلايانا وتزدهر، وكلمة إحباط تستنفذ قوانا وتجعلنا نشعر بالضعف وقد تقتل جزء من خلايانا. ويجب أن نطور علاقاتنا بعالم الكلمات علي هذا الأساس الفلسفي والعلمي.
يعرض فيلم أجنبي بعنوان Second Chance تصوراً تحليلياً علمياً لهذه العلاقة بين التواصل والوظائف الجسدية للإنسان. ويُظهر الفيلم الذي يستغرق 15 دقيقة كيف أدى الإفتقار إلى التواصل إلى إبطاء نمو الطفلة سوزان البالغ عمرها 22 شهراً بشدة لدرجة أن حجمها ووزنها كانا يساويان حجم ووزن طفلة لها نصف عمرها. غير أن هذا التدهور في حالة سوزان توقف بشكل تام عندما تعامل معها الآخرون بحب وعندما تلقت الرعاية لما يزيد على ست ساعات يومياً لمدة شهرين أثناء تواجدها بالمستشفى.
ان التفكير والمشاعر والكلمات الإيجابية تجعلنا نزدهر فعلي مستوى الجسد نصبح أكثر جمالاً وأكثر صحة وأكثر حماساً وأكثر نشاطاً وأكثر تركيزاً، وعلي مستويات أخرى تجعلنا أكثر نجاحاً وتوفيقاً في كل جوانب حياتنا. وعلي العكس من ذلك تماماً التفكير والمشاعر والكلمات السلبية، فإنها تدمر الجسد وتجلب المرض والمشاكل والفشل وتحرمنا من لذة الحياة. يقول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه “بالعافية توجد لذة الحياة”.
والآن سأخبرك بسر كبير عزيزي القارئ هذا السر هو (أننا نتأثر باللغة بشكل مذهل)! نعم إنه سر لأننا نتكتم عليه في مجتمعاتنا ولا أحد يتطرق إلى هذا الموضوع إطلاقاً لا في التربية ولا في التعليم ولا في الفن، ونتيجة لذلك سادت الكلمات والمفاهيم السلبية المدمرة في مجتمعنا، يمكنك أن ترى هذا بأم عينيك علي وجوه الناس وعلي أجسامهم وفي إحصائيات المرضى في المستشفيات وفي إحصائيات السجون. إنها دليل علمي وفلسفي علي إفتقار مجتمعنا إلي الكلمات والمفاهيم الإيجابية التي تثير مشاعر البهجة والحب والإهتمام والتحفيز.
إن الفن في مجتمعنا فاشل ويساعد علي ترويج الكلمات والمفاهيم الهدامة والمدمرة في الأغاني والسينما والتلفزيون بدلاً من أن يفعل العكس. إننا لا نهاجم الفن في ذاته ولكننا يجب أن نشير إلي مثل هذا الخطأ النفسي والإجتماعي الذي يصل إلي حد الإجرام.
تم التحديث في 6 يناير,2019 بواسطة موسوعة الإدمان