إحدى المهارات الشخصية الهامة، والتي تحرر الشخص من ضغوط الحياة بما فيها من قلق وتوتر واكتئاب وإزعاج الآخرين وخصوصاً المتنمرين منهم، هي مهارة توكيد الذات والتي تعني القدرة علي التعبير عن المشاعر والأفكار والآراء والإنفعالات سواء كان هذا التعبير لفظياً من خلال الكلام أو الكتابة أو جسدياً من خلال لغة الجسد، أو سلوكياً من خلال التصرفات.
ففي كثير من الأحيان نشعر بالعجز عن قول كلمة (لا) برغم عدم قبولنا للشئ، أو العجز عن المطالبة بحقوقنا، أو التعبير عن رفضنا لشئ ما أو رأي ما، أو نجبر علي اختيار لا نرغبه، أو نسمع ما لا يرضينا ويتسبب لنا في جراح نفسية ومشاعر سلبية، أو نتصرف علي عكس ما لدينا من قيم ومعتقدات ونعجز عن ضبط سلوكياتنا مع معتقداتنا وقيمنا التي نؤمن بها مما ينتج عنه ما يسمى في علم النفس بـ (التنافر المعرفي).
وكل هذه المواقف عبارة عن تهديد لصورة الذات وتنال من احترام الذات، وتنتج عنها مشاعر سلبية نحتاج لأن نتحرر منها لأنها تكون مثل الجبال علي قلوبنا. ونحن نرغب بشدة في الدفاع عن صورتنا الذاتية، حيث تنص نظرية توكيد الذات علي ان الإنسان مفطور علي الدفاع عن صورته الذاتية، لكن هذا الدفاع يتخذ احدى الأشكال الثلاثة، وهي:
المحتوى
أشكال الدفاع عن صورة الذات
أولاً الشكل العدائي الهجومي:
بمعنى استعراض القوة بشكل مبالغ فيه، ومحاولة السيطرة علي الآخرين وإذلالهم، يشعر الشخص بالتفوق علي الآخرين، وبأنه دائماً علي حق، ويكون هدفه هو السيطرة عليهم وجعلهم يخضعون له، وإذلالهم، وأحيانا يشعر بالأنانية أو بالحرج فيما بعد.
ثانياً الشكل السلبي الهروبي:
حيث يتجنب الشخص التعبير عما يريد، وإذا عبّر عنه يكون تعبيره سلبي يقلل من شأنه، وتكون كلماته معبّرة عن الخضوع والاستسلام، ويجعل الآخرين هم الذين يختارون له، ويكون هدفه في هذه الحالة هو إسترضاء الآخرين، ويشعر بالتوتر وبعدم اكتراث الآخرين له، وبالإهانة، وغالبا ما يشعر فيما بعد بالغضب.
وبين هذا وذاك هناك طريق وسط هو
ثالثاً: سلوك توكيد الذات:
أي التعبير عن الذات بما يحقق إحترام الذات. ويكون سلوك الشخص يدل علي الثقة والهدوء، فيستمع بإمعان وتكون طريقة تواصله تؤكد علي الإهتمام والقوة، ويكون هدفه هو التواصل الإيجابي مع الآخرين من أجل الوصول إلي هدفه، ويشعر بالتقدير، وبالرضا عن نفسه، وأنه مسيطر علي الوضع، وأنه حر في التعبير عن نفسه، وفي اختياراته، وواثق من نجاحه، وقليلا ما يشعر بالضيق.
أهمية امتلاك مهارة توكيد الذات
هنا تأتي أهمية امتلاك مهارة توكيد الذات، بمعني القدرة علي التعبير عن المشاعر وإعلان الرفض أو الإعتراض أو المطالبة بالحق في الوقت المناسب بالطريقة المناسبة، وبدون ظلم أو عدوان. لأن هذا التعبير يحررنا من المشاعر السلبية، تلك المشاعر التي تتراكم إذا تركناها دون تفريغ، وتتحول مع الوقت لأكبر عائق يحول بيننا وبين تحقيق أهدافنا.
وعندما تتفرغ تلك المشاعر السلبية نشعر بالراحة النفسية، وبالثقة بالنفس، وباحترام الذات. ومن ثم الإنطلاق في ميادين الحياة وإحراز النجاح.
يظن البعض ان ذلك لا يحتاج الي مهارة، فكل ما هنالك هو التعبير عن المشاعر فحسب، ونقول لهم ان التعبير عن المشاعر عملية حساسة جداً وتحتاج إلي مهارة. لأننا قد نجرح مشاعر الآخرين بينما نعبّر عن مشاعرنا، وفي هذه الحالة سنكون خاسرون أيضاً، لأننا إذا تقبلنا أن نفوز في هذه المرة علي حساب الآخرين فإن هذا معاناه أيضاً أننا نقبل أن نخسر في المرة القادمة عندما يفوز الآخرين، وسنظل في هذه الدائرة من الصراع المرهق. كما أن التعبير عن مشاعرنا يتضمن فهمنا لمشاعرنا وفهمنا العميق لتوكيد الذات، حيث انه ليس مجرد تعبيراً تواصلياً مع الآخرين.
مفهوم توكيد الذات
ان توكيد الذات هو طريق وسط بين الخضوع للآخرين بغباء، وبين الإعتداء عليهم وعلي مشاعرهم، وهو طريق وسط بين مراعاة حقوق الذات وحقوق الآخرين أيضاً. وتوكيد الذات يعني أن نكون صرحاء، يتطابق باطننا مع ظاهرنا، تفكيرنا ومعتقداتنا وقيمنا الداخلية مع أفعالنا وسلوكياتنا الخارجية. انه في أبسط تعبير، يعني أن نحيا بصدق.
فعلي سبيل المثال إذا كنت تعتقد بان التدخين ضار بالصحة بينما أنت تدخن، فإن هذا التعارض بين قيمك الداخلية وسلوكياتك الظاهرية يهدد إحترامك لذاتك، وإذا كنت تعتقد بأن الأفلام الإباحية حرام وتدعوا للفساد، بينما انت تفعل ذلك فإن هذا التعارض بين سلوكك وقيمك ينال من احترامك لذاتك. وهكذا يتبين أن توكيد الذات لا يكون فقط أثناء التواصل مع الآخرين وانما أيضاً أثناء التواصل مع أنفسنا.
التنافر المعرفي
في علم النفس يسمى هذا بـ”التنافر المعرفي” ووفقاً لنظريات التنافر المعرفي فإن الناس في هذه الحالة النفسية السلبية التي تنتج عن تعارض القيم والمعتقدات مع السلوك يلجأون الي ثلاثة أنواع من الإجراءات بهدف الحد من التنافر المعرفي لديهم والمشاعر الناجمة عنه كنوع من التخفيف عن أنفسهم والدفاع عن صورتهم الذاتية، وهذه الإجراءات هي:
أولا: محاولة تغيير سلوكهم لكي يتوافق مع معتقداتهم، علي سبيل المثال في حالة التدخين فإن المدخن يترك التدخين لكي يتخلص من هذه المشاعر السلبية الناجمة عن التعارض بين قيمه وسلوك التدخين.
ثانياً: محاولة تغيير القيم والمعتقدات الخاصة بهم. ففي حالة التدخين يقلل المدخن من تصوره لمخاطر التدخين الصحية، فيحول تركيزه مثلاً الي الناس الذين عاشوا عمراً طويلاً وهم مدخنون الي غير ذلك من المبررات.
ثالثاً: محاولة إضافة إدراك جديد إلي نظام معتقداتهم، مثل قول المدخن أن التدخين يزيل التوتر والغضب ويساعد علي الاسترخاء .. والخ.
أما نظرية توكيد الذات فتنص علي أنه عندما يتعرض الناس إلي تهديد صورتهم الذاتية عن طريق الإنخراط في سلوك غير مرغوب فيه في مجال ما مثل التدخين، فإنه يمكن استعادة إحترامهم لذاتهم من خلال التأكيد علي جانب آخر من الذات. ففي حالة التدخين يمكن للمدخن استعادة احترامه لذاته من خلال تذكير نفسه بالمساهمات الإيجابية التي يقدمها مثلاً في الجمعيات الخيرية، أو للأطفال الفقراء، أو يذكر نفسه بأنه شخصاً محبوباً وغير ذلك.
علامات على ضعف توكيد الذات
وعندما يكون الإنسان لديه خلل أو ضعف في توكيد الذات فإن هذا ينعكس علي شخصيته ويترك علامات تتسم بها شخصيته، نذكر منها..
• المجاملة المبالغ فيها للآخرين، ومسايرتهم دون اقتناع، والاستجابة لرغباتهم حتى ولو عن عدم رضى، والسعي لإرضائهم ولو علي حساب النفس.
• ضعف القدرة علي التعبير عن الرفض أو الرأي أو الإعتراض في الوقت المناسب بشكل مناسب.
• الشعور بالذنب، وإحتقار الذات.
• تقديم مراعاة مشاعر الآخرين علي مرعاة مشاعره الخاصة، والسعي الدائم لإسترضاء الآخرين.
• كثرة الإعتذار للآخرين عن أمور لا تدعو إلي الإعتذار.
• ضعف القدرة على التعبير عن المشاعر والآراء والرغبات والإنفعالات.
• ضعف القدرة على التعبير عن وجهة النظر الشخصية التي تخالف آراء الآخرين ورغباتهم.
• ضعف الحسم في اتخاذ القرارات والمضي فيها وتحمل مسؤليتها ومآلاتها.
• ضعف التواصل البصري بدرجة كبيرة.
• الهروب من مواجهة المشكلات، وتأجيل القيام بالواجبات.
إن مهارة توكيد الذات من أهم المهارات الشخصية التي تساعد الإنسان علي العيش بصحة نفسية جيدة وإحراز النجاح في الحياة. وهي مهارة مكتسبة من خلال التربية والبيئة والآخرين، والأمر الجيد أنها يمكن إكتسابها من خلال التدريب المتخصص، وهناك تدريبات كثيرة تساعد علي إكتساب هذه المهارة، لكن الأهم من التدريبات المتخصصة هو ممارستها يومياً.
تم التحديث في 27 مارس,2019 بواسطة موسوعة الإدمان
واخيرا وجدت ظالتي و ما انا محتاجة له مقال رائع شكرا