ما الذي يجعل من شخص ما نشيطاً مثابراً حريصاً علي اتمام عمل ما أو خطة ما، وشخصاً آخر كسولاً خاملاً؟، بل لماذا يفعل أو لا يفعل الإنسان شيئاً ما من الأساس؟ وما الذى يحرّكه من نقطة إلي أخرى؟، ما الذى يدفعه إلي النهوض من الفراش، أو قراءة كتاب، أو حتى تناول كوب من الماء؟. إنها الدافع.
ان الدافع هو القوة وهو الوقود الذي يحرّك الإنسان ويجعله ينطلق ويحقق الإنجازات في كافة مناحي الحياة، ولا شك أن الإنسان المحظوظ هو الذي يمتلك بداخله عدداً أكبر من الدوافع الإيجابية القوية التي تدفعه الي أعلي سلّم النجاح. وكل العظماء الذين حققوا أعظم الإنجازات في العالم، كانت لديهم دوافع داخلية قوية كانت تحرّكهم باستمرار نحو تحقيق أهدافهم وغاياتهم.
ما هو الدافع ؟
يُعرف الدافع علي أنه المحرّك الداخلي الذي يبعث الإنسان علي بدأ سلوك معيّن في موقف معيّن نحو هدف معيّن. وقد يكون هذا المحرّك الداخلي عباره عن حالة بيولوجية مثل العطش والجوع والنوم، أو قد يكون حالة نفسية مثل الرغبة في تحصيل المتعة أو الرغبة في تجنّب المعاناة. ولذلك نرى أن الأديان كلها تثير هذا الدافع في نفس الإنسان، فإما أن تكافئه بالنعيم أو الجنة، وإما أن تعاقبه بالعذاب أو النار، ولا تخلوا ديانة علي سطح الأرض من فكرتي الثواب والعقاب لإثارة هذا الدافع.
وقد يكون هذا الدافع حالة مؤقتة مرتبطة بظروف معينة وأبسط مثال علي هذا النوع من الدوافع هو الغضب، ولكن هناك الكثير من الدوافع التي تتولد من الظروف بشكل مؤقت، وقد يكون أيضاً حالة دائمة ملازمة للشخص وتستمر معه مثل الفضول وحب الاستكشاف. وهذا النوع الاخير من الدوافع (الدوافع الدائمة) هو الذهب الذي علينا التنقيب عنه في داخل أنفسنا، لأنه عندما يعرف الانسان الأشياء التي تثير شغفه ويتّبعها، لن يجد في الحياة إلا المتعة والسعادة.
الدوافع والوراثة
ومن الدوافع أيضاً ما هو فطري وراثي، جُبل عليه الإنسان مثل الدوافع الاساسية كالجنس والدوافع البيولوجية كالجوع والعطش والنوم، وهناك أيضاً بعض الدوافع الأخرى التي تمررها الجينات الوراثية من الآباء إلي الأبناء وقد يكون منها الشجاعة أو الجبن أو غيرهما من الدوافع التي علينا أن نستكشفها بأنفسنا من خلال التأمل والتفكير. ولقد أثبت علم الهندسة الوراثية أن هناك نوع من الجينات يتغيّر ويُورّث عبر الأجيال عن طريق الجين الوراثي، وهذا يجعلنا نسأل السؤال الأهم وهو: ما الصفات التي نحتاج إلي تغييرها بأنفسنا لكي نمررها إلي أبنائنا وذريتنا؟
الدوافع والبيئة
ومن الدوافع أيضاً ما هو مكتسب من البيئة، والتي أكتسبها الإنسان من الثقافة التي نشأ وترعرع في كنفها، مثل دوافع التملك والمنافسة والمحاكاة والحقد والغيرة والعدوان وحب السيطرة وحب السلطة ومستوى الطموح وغيرها. وكثيرة هي الدوافع التي نكتسبها من خلال البيئة والثقافة السائدة في مجتمعنا.
وهذا يؤكد علي أهمة الدور الذي تلعبه البيئة والثقافة في حياة الإنسان، وتأثير كل منهما علي أداءه وكفاءته. لأن الدوافع التي يوفرها المجتمع لأفراده هي التي تصنع الفرق بين الأشخاص الفاعلين، والأشخاص المنفعلين الخاملين، فإذا نجحنا في توفير الدوافع البيئية والثقافية التي تدفع أبنائنا إلي الابتكار والابداع، فإننا سنحصل بالتأكيد علي مبدعين ومخترعين، والمجتمع من التربة التي تحتاج إلي الحرث والرعاية باستمرار، ويحكمه نفس قانون الحصاد، ازرع دوافع الإبداع تحصل علي الإبداع، ازرع دوافع الجهل تحصل علي الجهل، ولا أحد فوق قوانين الكون.
اننا بحاجة إلي رعاية تربة مجتمعنا التي تُنبت وتُغذي أبنائنا لنحصل منها علي أفضل حصاد. بمعنى إعادة صياغة ثقافة مجتمعنا واقتلاع الدوافع السلبية منها واستبدالها بالدوافع الإيجابية.
ان الدوافع هي التي تُحدث كل الفرق بين العقول الّلاهثة والعقول الباحثة.
تم التحديث في 30 أبريل,2019 بواسطة موسوعة الإدمان