هناك الكثير من الإعتقادات الخاطئة الشائعة في هذا العالم في ثقافة كل الشعوب، وهناك الخطير جداً من هذه الإعتقادات وربما تكون قاتلة. فبما أن إعتقاداتنا تتحكم في حياتنا ، فإن إعتقاداتنا الخاطئة قد تقتلنا، وهذه الإعتقادات التي سنشير إليها في هذا المقال قد تؤدي مع مرور الزمن إلي إنقراض الجنس البشري من علي سطح الكوكب، لأنها تتسبب في إنتشار الأمراض وعدم التشافي منها، وفي الفهم الخاطئ للحياة وللإنسان، وفي الحروب والصراعات بين البشر . وهذه الإعتقادات الخاطئة هي . . .
المحتوى
الإعتقاد الخاطئ الأول: هو الإعتقاد بأن المادة هي كل ما يوجد.
الإعتقاد بأن المادة هي كل ما يوجد، أو بأن الكون المادي فقط هو كل ما يوجد، وهو كل ما يهم. الأمر الذي يجعل ما يهمنا فقط في الحياة هو المادة. وهذا الإعتقاد قديم جداً ومعروف في الفلسفة بمصطلح (المادية) ونقيضه تماماً هي الفلسفة (الميثالية). وهو إعتقاد يؤدي إلي الإلحاد وشائع عند الملحدين، وتجده منتشر أيضاً في البلاد الغير ملتزمة بالتعاليم الدينية. ويقول الفيلسوف الكندي ” ول ديورانت” في كتابه الشهير ” مباهج الفلسفة” عن هذه المادية : ” كما أن المادية هي أول فلسفة يعتنقها ذلك الذي خلع عن نفسه رداء المعتقدات الغيبية. فهي كذلك أول تصور عن العالم يظهر في أمة أخذ دينها الرسمي في الزوال”.
وكما أن جسد الإنسان المادي يُعتبر سجن للروح ومحنةً لها فإن هذه الفلسفة المادية تُعتبر سجن للميتافيزيقا وللإيمان بالغيبيات مثل النفس والروح والفكر والأخلاق وحرية الإرادة. ولقد سمى أفلاطون المادة بــ (العدم) لأنها نشأت من العدم وتنتهي إلي العدم، وأعلى من شأن العقل فوق كل شئ.
وبرغم أنها فلسفة قديمة وتعد أبسط الفلسفات إلا أنها ظلت متماسكة لأجيال قبل سقراط ولم تستعيد منزلتها حتى ظهور ديكارت ولكنه كان حذراً فلم يرتفع بها حتى تصبح الحقيقة الواحدة، وحين استهل فلسفته بالنفس والفكر قائلاً ( أنا أفكر، إذن أنا موجود) فقد فتح الباب للفلسفة الميثالية التي هي من ألد أعداء المادية، ولكنه تصور العالم تصوراً ميكانيكياً وأعتبر أن كل شئ ما عدا نفس الإنسان يخضع لمبادئ الطبيعة.
وأبطال هذه الفلسفة المادية هم جاليليو، وديكارت (إلي حد ما)، وهوبس، ونيوتن، وديدرو، وهولباخ، ولامترى، وهيكل، وسبنسر، ورسل، وواطسون.
ولقد فندها العديد من الفلاسفة المثاليين أمثال أفلاطون، وباركلي، وكانط، وهيجل، وحتى ديكارت نفسه (المثالية الإشكالية عند ديكارت)، وأما في عصرنا الحالي فقد برهن العلم الحديث وفيزياء الكم علي الخلل في هذه الفلسفة المادية وعدم صحتها من خلال التجربة العملية في داخل المختبرات العلمية.
وهذا يعني أن المادة الفيزيائية ليست هي ما يهم، بل الأشياء التي لا نستطيع رؤيتها مثل الفكر والطاقة هي التي تهم. لأن المجالات الغير المرئية – مجالات الطاقة – هي التي تشكّل المادة بنفس الطريقة التي تمكّن برادة الحديد من إتخاذ أشكال متنوعة عن طريق تعريضها لمجال مغناطيسي معين، وبتغيير هذا المجال المغناطيسي فإن برادة الحديد تتخذ شكلاً أخر متوافقاً مع المجال المغناطيسي الجديد.
وإذا اعتقدنا أن العالم مبني علي أساس هذا الإعتقاد المادي فقط، فقد أخطأنا، لأنه في الحقيقة مبني علي أساس المجالات الغير مرئية، وأهم جزأ في هذه المجالات الغير مرئية هو الوعي الإنساني، هو إدراكنا.
إدراكنا هو من يشّكل العالم المادي من حولنا وبدون هذا الإدراك فلن يكون وجود للعالم المادي. وأي شئ نؤمن به فإنه يكون مثل مجال مغناطيسي يشكّل واقعنا وحياتنا بالتوافق مع ما نؤمن به، وهنا يكون الواقع إمتداداً لما نؤمن به وما نعتقده في عقولنا، وهذا يعني أننا يجب أن نهتم بالفكر أكثر من أهتمامنا بالأشياء المادية، ويجب أن نهتم بأفكارنا أكثر من أجسامنا.
الإعتقاد الخاطئ الثاني: هو الإعتقاد بأن الجينات تتحكم بحياتنا.
الإعتقاد بأن الجينات تتحكم بحياتنا مثل القول بأن هذا المرض هو مرض وراثي ورثته عن عائلتي، وهذه العادة هي عادة ورثتها عن أسرتي، وغير ذلك من الأقوال التي تسلب القوة وتجلب فتور الهمة وتبطل مفعول الشفاء. وهذا يجعلنا ضحايا لإعتقادنا بأن الجينات لا يمكنها أن تتغير وأن لها قوة وسطوة علينا. وعندها نصبح غير مسؤلين، لأنه إذا لم أستطع أن أتحكم بهذا الأمر فلماذا أهتم به إذاً ؟! وهذه اللامسؤلية تدفعنا إلي الهاوية.
وإذا صدّقت ذلك فإنك تعتبر نفسك ضحية وتتخلى عن قوتك. وتخبرنا العلوم الحديثة عكس ذلك تماماً، تخبرنا بأن الجينات لا تتحكم في حياتنا، بل العقل هو الذي يفعل ذلك. وهناك اهتمام الآن من قبل العلماء بالتأثير علي الجينات وتعديلها عن طريق العقل، لأن العقل هو الذي يتحكم بجيناتنا عن طريق ما يسمى بــ” ابي جيناتيك” الذي يسمح لتصوراتنا الذهنية عن محيطنا بأن تتحكم في جيناتنا، وهو ما يتحكم فعلاً في جيناتنا الوراثية. فهل هذا يعني أنه إذا غيرت أفكارك وتصوراتك الذهنية يمكنك أن تغير من جيناتك الوراثية؟، والإجابة هي نعم بكل تأكيد فأنت المتحكم الأول والأخير في حياتك.
الإعتقاد الخاطئ الثالث: هو أن العالم يقوم علي الصراع من أجل البقاء.
وهو إمتداد للإعتقاد الدارويني الذي يقول أن البقاء للأصلح وأن الحياة ما هي إلا صراع من أجل البقاء، وأنتشر هذا الإعتقاد في القرن الثامن عشر انتشار النار في الهشيم وساعدته ظروف الثورة الصناعية والتنافس علي العمل. وأصبح من المعتقدات الأساسية في الغرب – ثم في الشرق مؤخراً- أنه إذا لم تقم بالتنافس وبالمصارعة فسوف تنهزم وتموت.
وتقول هذه الفلسفة للفرد: صارع، استحوذ علي كل ما يمكنك، خذ من الأرض، أغتصب الكوكب، اجمع كل شئ عندك، لأن هذا مقياس لنجاحك. وبناء علي هذه الفلسفة فإن مفاهيم النجاح والذكاء والقوة وهي مفاهيم رئيسية عند البشر، تتخذ معاني مختلفة لتتوافق مع تلك الفلسفة الداروينية، فالذكاء يعني فن الحصول علي المزيد من الأشياء، والقوة تعني القدرة علي الأخذ والإستحواذ بأقصى قدر.
ولا شك أن هذه الفلسفة الداروينية تجعل العالم مثل الكابوس، ما يعني وجود الحروب والتنافس وتلاعب البشر بعضهم ببعض وتسلق كل واحد علي الآخر من أجل البقاء.
ولقد صدّر الغرب هذا الإعتقاد وهذه الفلسفة إلى كل شعوب العالم بطرق كثيرة منها الإستعمار قديماً، والعولمة حديثاً، وهذا الإعتقاد هو السبب في كل الحروب السابقة وسيكون سبب في الحروب القادمة أيضاً إذا فشلوا المتنورون في مواجهته وإلغائه.
وهو إعتقاد خاطئ لأن تطور العالم مبني علي التعاون وليس التنافس، والعلوم الحديثة تثبت ذلك أيضاً، فقوة قضيب واحد مصنوع من خليط معادن الحديد والنحاس والنيكل تكون أكبر من قوة قضيب معدن الحديد + قوة قضيب النحاس + قوة قضيب النيكل، ويظل أقوى منهم حتى بعد جمعنا لقوة ثلاثتهم!، وهذا قانون موجود في الطبيعة منذ الأزل وينص علي أن (الكل أكبر من مجموع أجزائة دائماً)، فمن أين جائت تلك القوة الزائدة؟، الإجابة هي، من مبدأ التعاون. والطيور المهاجرة تعرف هذا القانون جيداً وتستخدمه في سفرها لتزيد من سرعتها، وكذلك الأسماء والحيوانات.
وإذا نظرنا للمحيط الحيوي من حولنا سنجد التوازن والتناغم في كل شئ ماعدا البشر لأنهم يعتقدون بالصراع والتنافس، بينما كل الكائنات علي سطح الكوكب من طيور وحيوانات، كأنهم يعيشون في الجنة والبشر فقط هم من يعيشون خارجها، بسبب إعتقاداتهم الخاطئة.
بقلم/ سيد صابر خبير تنمية بشرية
تم التحديث في 12 مارس,2016 بواسطة موسوعة الإدمان