الحل يكمن في داخلك. فكثيراً ما نذهب بعيداً لنكتشف في النهاية ما هو قريب، وكثيراً ما نغفل عن أهم الأشياء التي توجد بداخلنا والتي نحتاج إليها كثيراً، وذلك بسبب انشغالنا وتعلقنا المرضي بما هو في الخارج، بما هو في خارج أنفسنا.
الأمر يشبه حالنا عندما ننهمك في شيء ما وننشغل فيه كثيراً لدرجة أننا ننسى أو نغفل عن أهم الأشياء مثل حاجتنا الحيوية إلي شرب الماء، ننشغل بالشيء لدرجة أننا ننسى أن نشرب الماء.
لك أن تتخيل شخص يفعل ذلك باستمرار، ينشغل باستمرار عن شرب الماء ولا يشرب إلا قليلاً علي فترات متباعدة، في الواقع سيعتاد هذا الشخص علي الجفاف، سيصبح الجفاف سمه من سماته وجزأ من شخصيته، وسيعتاد علي شرب القليل من الماء حتى ولو توفرت المياه النقية حولة بكميات كبيرة، وحتى ولو كان يسكن فوق نهر جاري.
في الواقع فإن حال الكثيرين من الناس مثل هذا الشخص، ينشغلون بأشياء مختلفة وكثيرة في الحياة ويتشبثون بها تشبث مرضي يصل أحياناً إلي درجة العبودية، ويغفلون عن الخير الذي بداخلهم والذي قد يكون حلاً لكل مشاكلهم، ويستمرون علي هذا النمط وهذا المنوال إلي أن يعتادوا علي “الجفاف” وعلي هذا النمط الفكري الذي ينظرون من خلاله إلي الخارج فقط غافلين عن مكمن قواهم بداخل انفسهم.
وهكذا يظلون يدورون في حلقة مفرغة، فالجفاف يسبب مشاكل وحل هذه المشاكل يكمن في العودة إلي الداخل والارتواء من ينابيع الخير التي غرسها الله في داخل الإنسان، ولكنهم لا ينظرون حتى إلي داخلهم ويستمرون في إدمان الجفاف والذي بدوره يؤدي إلي ظهور المزيد من المشاكل التي لا يوجد لها أي حل سوى الرجوع إلي الداخل والارتواء مما بداخل النفس .. وهكذا يدورون في حلقة مفرغه تتسم بالسلبية وبتدهور الحال مرة بعد مرة بعد مرة.
تجد المدمن مثلاً يشعر بالنقص إلي شيء ما، شيء مثل المخدر الذي يعتمد عليه كمصدر رئيسي للسعادة، وينشغل في التفكير فيه والبحث عنه وعن الطرق المختلفة للحصول عليه، ويفعل كل ذلك بإصرار، وبينما يفعل ذلك يغفل عن المخدر الطبيعي الذي يوجد بداخل عقله والذي لا يحتاج لكي يفرز في الدماغ ويغطيه الشعور بالسعادة إلا إلي الشكر لله والامتنان علي ما لديه من نعم. يذهب بعيداً جداً ويُنهك من كثرة السفر بحثاً عن السعادة وفي النهاية يكتشف أنها لا تحتاج إلي كل هذه الرحلة وأنها تكمن بداخله، بداخله فقط. كل ذلك بسبب شخصاً ما أو أشخاصاً آخرين قاموا بدس هذا الشعور بالنقص في داخل عقله بالإيحاء أو بالإغواء أو بطرق أخري.
وليس المدمن وحده هو الذي يشعر بأن شيئاً ما ينقصه يسبب السعادة، بل انها أصبحت سمة عصرنا الذي يتعلق فيه الناس بكل شيء وأي شيء في خارج أنفسهم، وأصبحت حالة الانشغال الدائم بالأشياء هي حالة كل فرد في عصرنا الحديث، ولم يعد هناك وقت للتأمل أو للتخيل أو للتفكير الدقيق أو للحوار مع الروح.
في حين أن قوى الإنسان العظمى هي قوة التفكير والتأمل والتخيل، تلك القوى التي تكمن بالداخل، والتي لا تمتلك إلا بالممارسة، فمن لا يمارس التخيل لن يمتلك قوة التخيل ومن لم يمارس التأمل لن يمتلك قوة التأمل وكذلك التفكير.
بإمكان المدمن أن يتوقف عن تناول المخدر وأن يبني ويشيد عالمه المثالي بقوة خياله، وهذه القوة وحدها كفيلة بأن تجعل من عالمه المثالي عالم واقعي يعيش فيه. وبإمكاننا أيضاً أن نتخيل أنفسنا بالعادات الجديدة التي نود أن نكتسبها وبدون العادات التي نرغب في التخلص منها ومع التكرار ستصبح العادات الجديدة جزأ من الواقع الذي نعيشه.
لماذا لا نشيّد عالمنا الجديد الذي نرغبه بخيالنا وبتفكيرنا وبعواطفنا التي في الداخل؟
لماذا لا نكسر تلك الحلقة المفرغة ونعود لننظر إلي الداخل، داخل انفسناً حيث يوجد الحل الدائم لكل مشاكلنا ؟!
هل لأننا أدمنّا الجفاف؟
تم التحديث في 30 أبريل,2019 بواسطة موسوعة الإدمان