في عصرنا أصبح الإنسان مشوّش، نتيجة تعقيد الحياة المتزايد وتكالب المغريات والمغويات عليه، فالعولمة حوّلته إلي سلعة تُباع وتُشترى أينما ذهب بقدميه ودون إذنٍ منه، والسياسة حوّلته إلي أضحية تُذبح علي موائدها، والتكنولوجيا حوّلته إلي إنسان إلكتروني يعيش في عالم إلكتروني ولا تفصله عن الشاشة التي أمامه سوى حواسه فقط. وأصبحت جهوده مشتتة في كل الاتجاهات مثل أشعة الضوء المتبعثرة، واستُنزفت طاقاته وأُضعفت قواه، وفَقد سيطرته وسيادته علي حياته، وأصبح مجرد رد فعل للظروف المتقلبة والمتسارعة حوله والتي جعلته في حالة من التوتر والانشغال الدائم.
من سرق أوقات الفراغ ؟
أوقات الفراغ، التي كنّا نعد فيها النجوم ؟
النجوم، تلك اللغة الكونية، التي تمنحنا الإلهام.
تستهدف العولمة الاستحواذ علي أوقات فراغ الناس بهدف تحويلهم من مجرد مستهلكين إلي سلع تباع وتشترى بسرعة الضوء عبر المسافات البعيدة والقارات، عن طريق الأقمار الصناعية والانترنت. وهذا أدى إلى ظهور نوع جديد من الاقتصاد قائم علي هذه النظرة الجديدة للإنسان بصفته سلعة وليس إنساناً، وتفننت الشركات في الوسائل التي تستطيع بها السيطرة علي هذه السلعة (الإنسان).
وعلي سبيل المثال تجد القنوات الفضائية تبيع مشاهديها إلي المعلنين وكلما ازداد عدد المشاهدين ازداد معه الاعلانات والربح، فالسلعة هو المُشاهد والمشتري لهذه السلعة هو المعلن. كذلك عندما تتلقي البرامج التلفزيونية وغير التلفزيونية الاتصالات من المشاهدين – طبعاً بعد أن يكون تم الإعداد مسبقاً لإثارة واستفزاز المشاهدين – فإنها لا تتعامل مع المُشاهد إلا علي أساس أنه سلعة يتم بيعها بثمن الاتصال.
كذلك الحال في مواقع الانترنت التي تُقاس قيمتها بعدد زوارها وفترة مكوثهم فيها، وعلي سبيل المثال موقع فيسبوك الشهير لا يتعامل مع مشتركيه في كل العالم إلا بوصفهم سلعة يتم بيعها للمعلنين، واحدى الدراسات التي أجريت في هذا المجال وجدت أن شركة فيسبوك تربح يومياً من كل مستخدم للموقع أكثر من خمسة دولارات، لا من المستخدم نفسه، وإنما ثمن استثمار هذا المستخدم في يوم واحد. وكل هذا بسبب تغيير النظرة إلي الإنسان من مستهلك إلي سلعة، ومن إنسان إلي مجرد شيء، شيء له ثمنه.
ولهذا تتكالب عليك كل الشركات والمؤسسات الربحية في كل المجالات وتغريك وتغويك وتبهرك بخدماتها ومنتجاتها الاسطورية التي لا تستطيع مقاومتها من أجل احتكارك والمتاجرة فيك كسلعة، ولا شيء أقوى من الإغواء.
يمكنك ان تلاحظ ذلك في نوعية الخدمات التي تقدمها لك تلك المؤسسات فهي لا تقدم لك شيئاً أو تبيعه لك لمرة واحده وإنما تجعلك مستخدم دائم لديها، وليس هذا إلا من أجل احتكارك. وليس هذا كل شيء لأنها تتقدم خطوة أخرى ناحية استغلالك الاستغلال الأمثل فتحوّلك من مجرد سلعة إلي مسوّق أيضاً لهذه السلعة!، وهكذا توفّر عليهم تكلفة وعناء تسويقك.
وللأسف الشديد فإن مجتمعنا الحديث تأسس علي هذه النظرة الاقتصادية الدونية للإنسان، ليس فقط في مجال الاقتصاد بل وفي كل المجالات الاخرى، وذلك لأن الاقتصاد هو عصب المجتمعات وأي تغيير في الاقتصاد يتبعه تغيير في باقي مكونات المجتمع ككل.
اننا لا نملك حلاً لكل مشاكل المجتمع ولكننا نملك الكلمة والنصيحة والتثقيف المعرفي والنفسي الذي نقدمه لك هنا ونأمل منك أن تساعدنا في نشر هذه المعارف الغائبة عن الأكثرية العظمى من البشر.
ان معظم تعاستك وشقاؤك واضطراباتك النفسية تأتي من هذه النظرة الدونية السوداء لك ولقدراتك ولقيمتك.
إن المعرفة يا صديقي هي العلاج، وباستخدام هذه المعرفة يمكنك ان تستعيد السيطرة من جديد علي حياتك وتعود لامتلاك اوقات فراغك لتمنحها لأعظم مخلوق في هذا الكون وهو أنت.
إنك لا تقدر بثمن، لأنك أنت نفسك الثمن الذي يجب أن نضحي بأي شيء وبكل شيء من أجله. وما هذا الكون بأكمله إلا وحش كبير مسخّر لك.
تم التحديث في 17 أكتوبر,2019 بواسطة موسوعة الإدمان