كثيراً ما نقرأ ونسمع مصطلحات مثل العقل الواعي والعقل الباطن، وتجاذب الأفكار، والجذب الكوني، والعقل الكوني، والعقل المدبر، والعقل فائق الوعي، والقوة الكامنة للإنسان، وقانون الجذب، وغيرها من المصطلحات التي تشير إلي مستويات مختلفة من الوعي عند الإنسان، وإلي قوة مستويات الوعي تلك وتأثيرها علي حياة الإنسان.
ومن الضروري أن نوضح الأسس الفلسفية لهذه المستويات وهذه المصطلحات، لأنها تلعب دوراً رئيسياً في أي موضوع بمجرد أن يتم ذكرها فيه أو حتى بمجرد الإشارة إليها، وذلك بسبب الدور المحوري والرئيسي الذي يلعبه العقل في الحياة الإنسانية، وقوة الوعي الجبارة والتي سنتعرف عليها في هذا المقال.
فقد تبين من خلال التجارب العلمية الحديثة وعلم فيزياء الكم، ذلك العلم الثوري أنه بدون الوعي الإنساني لن يكون هناك وجود لأي شئ علي الإطلاق، ولن يكون هناك ما نسمه بالوجود. بمعنى أن وعي الإنسان وإدراكة هو نواة هذا البناء الكوني الذي نعيش فيه، ونواة كل الأكوان الأخرى التي نعرفها وندركها من خلال وعينا.
وتعني هذه الحقيقة أنه لا وجود بدون تدخل الوعي الإنساني فيه، وأما إذا حدث وكان هناك وجود بدون الوعي الإنساني، فإن ذلك يكون دليلاً علي وجود وعي آخر، ولا شك ان هذا الوعي الآخر هو الوعي الإلهي. أما الوجود فلا يمكن أن يوجد مفارقاً للوعي بأي حال من الأحوال.
وهناك خلاف فلسفي قديم دار حول هذا الموضوع، موضوع الوعي والوجود، أو الفكر والمادة. وما أشعل هذا الخلاف هي تلك الأسئلة الفلسفية التي أُثيرت حوله مثل: ما الأسبق في الوجود، الفكر أم المادة ؟، وما هو مصدر المعرفة هل هو الوجود المستقل عن الفكر، أم أن مصدر المعرفة هو الفكر في ذاته ؟، وما هو مصدر القيم، هل تكون ذاتية أم خارجية ؟، وما هو الوجود ؟ هل طبيعته مادية واحدة، أم أنها طبيعة مزدوجة من فكر ومادة ؟
وبناءً علي إجابات هذه الأسئلة تم تصنيف الفلاسفة إلي فلاسفة مثاليين يؤمنون بأن كل ما نعرفة من وجود متوقف علي إدراكنا، ويحللون الظواهر ويصنفوها نوعياً دون النظر في قرائنها، وفلاسفة ماديين يؤمنون بالوجود الموضوعي المستقل عن الوعي الإنساني، وينظرون في التفاعلات المادية للظواهر.
ويبدو أن أكثرهم حكمة هم الفلاسفة المثاليين أمثال أفلاطون، وديكارت، وباركلي، وكانط، وهيجل. لأنهم أدركوا هذه الحقائق قبل أن تتوصل إليها علومنا الحديثة اليوم. وربما يكون لنا وقفة مع كل منهم فيما بعد. أما إذا أردنا المرور عليهم مرور الكرام لكي نسئلهم عن رأيهم فيما يتعلق بقوة الوعي الإنساني وقوة تأثيره علي الحياة وعلي الوجود بشكل عام، فسنجد الفيلسوف اليوناني “أفلاطون (427 – 347 ق م)” يقول في هذا الإطار: ” النظر إلي الأشياء الواقعية، يساعدنا أن نتذكّر الحقائق المثالية، التي تعتبر الأشياء الواقعية بمثابة تجسيد جزئي لها “، ونجده يقول أيضاً: ” إذا أردنا أن نعرف شيئاً معرفة مطلقة فلابد لنا أن نتحرر من الجسد، وأن ننظر إلى الحقائق الواقعية نظرة الروح وحدها “.
وأما الفيلسوف الفرنسي ” رينيه ديكارت (1596 – 1650 م) ” فنجده يقول مقولته الشهيرة: “أنا أفكر إذاً أنا موجود” معللاً الوجود بالفكر، ونجد أنه يربط القضايا بإرادة الله وعنايته، ويربط وجود الكون بوجود الله المتصف عنده بكونه ” لا متناهياً، أزلياً، منزهاً عن التغيير، وخلق جميع الأشياء الموجودة “.
وإذا ذهبنا إلي الفيلسوف البريطاني ” جورج باركلي (1685 – 1753م) ” الذي ثار علي الماديين وقام بتفنيد ماديتهم أكثر من قيامه بإثبات صحة الفلسفة المثالية، سنجد أنه يقول: ” لست أدري ان كان لغيري تلك القوة العجيبة، قوة تجريد المعاني، أما أنا فأجد أن لي قوة تخيل معاني الجزئيات التي أدركتها، وتركيبها وتفصيلها على أنحاء مختلفة… ولكن يجب علي كل ان يكون لها شكل ولون” ويعني أنه لا يدرك الأشياء إلا كإحساسات.
وأما الفيلسوف الألماني ” إمانويل كانط (1724 – 1802 م) ” فتمتاز مثاليته عن المثاليات الأخرى في نفيها للوجود الجوهري للفكر فيقول: ” إن القضية التي يدافع عنها المثاليون المعترف بهم هي ( كل معرفة تستخلص من الحواس ومن التجربة ليست إلا وهما، فالحقيقة لا توجد إلا في أفكار الذهن المجرد أو العقل الخالص )، وعلى العكس من ذلك فإن المبدأ الذي يحكم مثاليتي، ويحددها هو المبدأ التالي ( كل معرفة للأشياء نستخلصها من الذهن أو من العقل الخالص فحسب، ليس إلا وهماً، فالحقيقة لا توجد إلا في التجربة )”، ويقول أيضاً: ” الحدوس الحسية بدون مفاهيم عمياء، والمفاهيم بدون حدوس حسية جوفاء “.
وعندما نذهب إلي الفيلسوف الألماني “هيجل (1770 – 1831 م)” فإننا لن نجد عنده إلا العقل وما الموضوع الوجودي بالنسبة له إلا معياراً للتمييز بين نشاطات العقل المختلفة، فإذا كان الموضوع حسي سمي إدراكاً، وإذا انصب علي تصور ذهني كان تخيلاً. ويقول هيجيل: ” الذات في رحلتها لإكتشاف حقيقة الموضوع لن تجد ببساطة إلا نفسها، فهي حين تعي الأشياء لا تمارس سوى وعي ذاتي “.
وهنا يمكننا أن ننهي هذه الرحلة السريعة والتي نراهن علي أنك استمتعت بها عزيزي القارئ ، وأن نشكر كل من أفلاطون وديكارت وباركلي وكانط وهيجل، لأنهم بينوا لنا الأساس الفلسفي للقوة العظيمة الكامنة فينا والتي نمتلكها تماماً حتى وإن لم نسخّرها أو نتحكم فيها، قوة الوعي الإنساني الذي يصوغ العالم بأسره من حولنا.
هذه المعلومات وهذه الحقائق تحتاج إلي الكثير من التأمل لكي نستوعب حكمة الله فيها، ولا شك أنها سترافقك في حياتك وستنموا في عقلك يوماً بعد يوم بعد قرائتك لهذا المقال، وستؤثر أيضاً علي نظرتك للحياة من حولك وعلي خياراتك وعلي الطريقة التي تفكر بها في الأمور والطريقة التي تحيا بها حياتك.
وستجعلك هذه المعرفة التي تنموا في عقلك كل يوم تؤمن بالمعجزات لدرجة أنك قد تراها تتحقق في حياتك، وستجعلك أيضاً تكفر بالمستحيل وتمحي أسمه تماماً من قاموسك. وستجعلك تقّدر قيمة الحياة وتدرك سحر كل لحظة في حياتك. وبهذا فإنها تفعل فعلها فيك وتجعلك منفتحاً علي نوع جديد من القوة العظيمة الكامنة في عقلك وفي وعيك.
فليكن دعائك أن يمنحك الله الحكمة في إستخدام هذه القوّة، وليكن تضرعك هو ..
” أعطنا ربنا، معجزتنا اليوميّة. لعل أعيننا تفتح لكي نرى أن ما من يومين متشابهين، فكل يوم يحمل معه معجزة مختلفة، تسمح لنا بأن نواصل تنفسنا وأحلامنا وسيرنا في الشمس .”
تم التحديث في 12 مارس,2019 بواسطة موسوعة الإدمان