عندما يواجه الإنسان تغيرات أو تحديات جديدة مثل مقابلة عمل مهمة، أو التقدم لطلب الزواج، أو إلقاء خطاب أمام الجمهور،
يكون من الطبيعي أن يشعر الإنسان بمشاعر الخوف وعدم الإرتياح والتوجس أو ما يطلق عليه القلق.
وتصاحب هذه المشاعر بعض المظاهر الجسمية مثل تعرّق راحتا اليدين،
وآلام فم المعدة، والتعرّق، والإحساس بالحرارة وغيره.
وتكون هذه الإستجابات الجسدية عبارة عن منبهاً للشخص لكي يستعد لمواجهة هذا الموقف المتوقع ومعالجته.
كل ذلك طبيعي جداً ويحدث لكل إنسان، ما يعني أن القلق أمر طبيعي.
لكن هذا لا يعني أننا نعيش بدون قلق ولا نشعر به إلا عندما نواجه التحديات الجديدة فقط،
بل ان اغلبنا يعيش بالقلق طوال الوقت، ويتخذ القلق أشكال وتنوعات كثيرة منها الإفراط في تناول الطعام أو التفكير السلبي أو بعض الأمراض أو أشياء أخري قد لا تُحصى.
وأما الإنفعالات الفسيولوجية التي تحدث عند مواجهة تحدي جديد ما هي إلا مؤشر وتنبية بضرورة الإستعداد للحدث الجديد.
وللحق فإن موضوع القلق موضوع مهم وخطير ويحتاج منّا إلي الكثير من التركيز والإهتمام به حتي يتكون لدينا الوعي بالقلق والدراية الكافية به وبكيفية التعامل معه وتأثيرة علي حياتنا بشكل عام.
وهدفنا في هذا المقال هو رفع الوعي بالقلق وإلقاء الضوء علي تأثيره في حياتنا وسوء تعاملنا معه.
كيف ينشأ القلق ؟
يتكوّن القلق نتيجة لرغبتنا الملحّة في الحصول علي ما ننتظره بأسرع ما يمكننا، أو لدرء كل الأمور التي تسبب مخاوفنا.
وهذا يعني أن القلق جزأ من المستقبل المجهول، ويعني أيضاً أنه جزأ من الطبيعة البشرية. لأننا مادمنا علي قيد الحياة، سنظل ننتظر بقلق شيئاً ما أو شخصاً ما.
وهكذا فإن القلق ولد مع ولادة البشرية، وظل وسيظل مرافقاً لنا، شأنه شأن المخاطر الأخرى التي رافقتنا علي مر السنين،
وعلينا أن نتعلّم كيف نتعايش معه مثلما تعلّمنا التعايش مع السيول والزلازل والعواصف وكل أنواع المخاطر الأخرى.
ماذا إذا لم نتعلّم التعايش مع القلق ؟
أما الذين لا يستطيعون تعلّم التعايش مع القلق، ستكون حياتهم أشبه بالكابوس.
حيث أن الأشياء التي عليهم أن يقدّموا الشكر عليها، والإمتنان لها طوال الوقت، ستتحول إلي لعنات،
لأن القلق يقتل في الإنسان الإحساس بالنعمة والإمتنان. وكيف يشعرون بالنعم التي بين أيديهم في اللحظة الآنية وهم يعيشون في قلق إنتظار المستقبل المجهول؟!
وهم يريدون أن يمر الوقت بسرعة أكبر، ولا يدركون أن ذلك يعجّل أيضاً من لقاءهم بالموت.
الأسوأ من ذلك أنهم عندما يحاولون إبعاد القلق عن أنفسهم، يقومون بأمور تُزيد من قلقهم.
فعلي سبيل المثال يحاول الشخص الذي ينتظر شيئاً ما بقلق أن يُشغل نفسه بأشياء أخرى هرباً من قلقه.
في حين أن كل مهمة أخري يقوم بها تُضيف قدراً من القلق إلي سلّته. ومع الوقت ينموا كل قلق فردي في سلّته ويتحول إلي قلق أوسع.
وذلك يجعلهم سلبيين يتوقعون الأسوأ، وعدائيين تجاه أصدقائهم وأقرب الناس إليهم.
وكذلك يجعلهم القلق يأكلون بشكل سئ، فإما يفرطون في الطعام وإما يمتنعون عنه.
وفي الليل، يلقون بأجسادهم علي الأسرّة، وبرؤوسهم علي الوسائد، ولكن لا يطمئنون إلي مضجع.
بالإضافة إلي أن معظم الأمراض في عصرنا يكون سببها الرئيسي هو القلق.
ما الطريق إلي الخروج من هذا النفق ؟
والطريق إلي الخروج من هذا نفق القلق المظلم يكون بالتعايش في حدود الحاضر،
لأن سحر الحياة وعمقها يكمن في اللحظة الحاضرة. يقول الروائي الكبير ” روبرت لويس ستيفنسون” :
” كل امرئ يستطيع أن يحمل عبئه، مهما ثقل، إلى أن يرخي الليل سدوله. وكل امرئ يستطيع أن يُنجز عمل يوم واحد مهما صعب. وكل امرئ يستطيع أن يعيش قرير العين راضياً، صبوراً، محباً، نقياً، إلى أن تغرب الشمس. وهذا هو كل ما تبغيه منّا الحياة في الحقيقة”.
وحتى إذا كان القلق جزأً من حياتك عزيزي القارئ فلا تسمح له بأن يسيطر عليك. قل له ببساطة ” لست قلقاً علي المستقبل، لأن الله هناك، بانتظاري”.
تم التحديث في 17 مارس,2019 بواسطة موسوعة الإدمان