السينما والفن والإيحاء
جميعنا تقريباً شاهد فيلم التايتنيك الشهير، والذي يحكي قصة غرق سفينة التايتنك. هذا الفيلم يعلمناً درساً في غاية الأهمية، وهو الفرق بين القيادة والإدارة، فنجد أن الخطأ الذي تسبب في غرق السفينة هو خطأ في القيادة التي تعني النظرة الرؤيوية التي تحدد الاتجاه الذي يجب ان تسير فيه السفينة، وبسبب هذا الخطأ لم تُكتشف جبال الجليد التي تسببت في تحطيم السفينة، أما الإدارة والتي تعني التنفيذ الجيد لكل الأمور علي السفينة كانت جيدة ولم يكن بها أخطاء بل كانت مدعاة للفخر.
والسينما والفن هما القائد الخفي الذي يقود المجتمع ويتحكم في دفة سفينته، فمن خلال السينما والفن يتم توجيه المجتمع والتحكم في اتجاهه، فيمكن توجيه المجتمع إلي نظام سياسي بعينه دون الآخر أو نظام اقتصادي بعينه دون الآخر أو حتى نظام ديني بعينه دون الآخر. فالقائد الذي يقود المجتمع هو السينما والفن، أما المدير الذي يدير المجتمع فهو النظام السياسي.
ومن خلال السينما والفن يمكن شفاء العلل والأمراض التي تصيب الجسد الاجتماعي، ومن خلال السينما والفن أيضاً يمكن انهاك الجسد الاجتماعي وتدميره، وظهور المخدرات في الأفلام والمسلسلات يعد إيحاءً للجماهير بأن يتناولون المخدرات، وبالإيحاء تُقاد الأمم، ولا شيء علي الاطلاق أقوى من الإيحاء. وكذلك يعد ظهور السجائر والمخدرات في الأعمال الفنية كالأفلام والمسلسلات اعلاناً قوياً وغير مباشراً لهذه المنتجات المفسدة للأخلاق والمعطلة عن الانتاج.
ومع ذلك نجد النظام السياسي في غيبوبة عن ذلك، وكأن أحداً ما قام بوضع مخدر في الشاي للسياسيين، وأيضاً كأن أحداً ما يربح من وراء كل ذلك الإيحاء، وكأن أحداً ما أيضاً يحكم بلادنا من خلف ستائر سوداء، ويتلاعب بدفة مجتمعنا كله وبأبنائنا وشبابنا ويحوّلهم إلي مستهلكين لسلعته التي يشفط بها اموالهم وصحتهم. اننا بلا شك بحاجة إلي الاستيقاظ من غيبوبتنا العميقة.
الوضع المادي
يلعب الوضع المادي أيضاً دوراً هاماً في عملية الاقبال علي تناول المخدرات، سواء كان الوضع المادي المرتفع جداً أو الوضع المادي المنخفض جداً، فالأول يجعل من المخدرات شيئاً سهل الحصول عليه وتعاطيه، والآخر يجعل منها مهرباً من البؤس الناتج عن الفقر. وهذا جعل تجار المخدرات يصنفون انواع المخدرات علي حسب الشريحة المستهدفة من المدمنين، فيقولون أن هذا المخدر للمدمنين الريتش الأغنياء ويجب أن يكون سعره مرتفعاً، وذاك المخدر للفقراء فيجب ان يكون في متناول ايديهم، وفي الحالتين القصد هو التربح من كل فئات المجتمع، والوضع المادي للمدمنين يتم وضعه في اعتبارهم.
وطبعاً الحل يكون بزيادة الوعي المادي لدى الشباب بجانب رفع الوعي العام والوعي بخطورة المخدرات، كما يجب ايضاً تشديد الرقابة علي مصروفات الأبناء وأين يصرفون أموالهم لحمايتهم من استهداف تجار المخدرات لهم.
شره المتعة
الشره أو الرغبة في الحصول علي جرعات كبيرة من المتعة والسعادة من أهم الأسباب التي تجعل الفرد يلجأ إلي تناول المخدرات وربما بكميات كبيرة من أجل الوصول إلي حالة النشوة أو الذروة في المتعة، وهي في حقيقة الأمر متعة مؤقتة جداً يعقبها شعور بالحزن أو الاكتئاب ناتج عن خلل في نظام المكافئة البيوكيميائي الطبيعي الموجود داخل الدماغ، مما يجعل الشخص يريد أن يتناول المخدرات مرة أخرى من أجل البقاء في هذه الحالة التي يستحيل تثبيت مزاجه عليها حتى وان تناول جرعات زائدة، ولا يمكن بأي حال أن يصل الإنسان إلي مستوى عالي من المتعة عن طريق المخدرات ويظل فيه اكثر من ثواني معدودة. ولا يمكن لأحد أن يسعد كل الوقت، بل علينا أن نتعامل مع واقعية الحياة التي تتناوب فيها أوقات السعادة والحزن واليأس والتفاؤل، فبدون الحزن لن نشعر بالسعادة وبدون اليأس لن نشعر بالتفاؤل. تلك هي ازدواجية الحياة التي تحفظ توازنها وتكسبها المعنى.
تلك كانت بعض الأسباب المهمة التي تشكّل الدوافع الداخلية لدى الأشخاص الذين يلقون بأنفسهم في هاوية الإدمان ويخسرون بذلك كل شيء في حياتهم بما في ذلك أنفسهم.
وفي الختام نود ان ننوه علي أن القاعدة الرئيسية في علم النفس هي الحقيقة الكبرى التي تقول أن ( المعرفة هي العلاج)، وأن القاعدة الرئيسية لعيش الحياة بأمان هي التفكّر والتعقّل (أفلا تعقلون)، بمعنى إعمال الفكر والعقل في كافة أمور حياتنا، ونأمل أن يكون ما سبق قد ساهم في تقديم المعرفة التنويرية التي تساعد في العلاج من الادمان ، وساعد في إعمال الفكر والعقل.
تم التحديث في 17 أبريل,2021 بواسطة موسوعة الإدمان