يظن الكثير من الناس أن العزلة تعني الوحدة وتعني الألم ويعتبرونها نقمة، في حين أن العزلة نعمة، وشأنها شأن أي نعمة من النعم الكبيرة التي أنعم الله بها علينا، تحتاج إلي حكمة لكي نفهمها ونقدّرها.
ويعتبرون العزلة غياباً للحب في حياة الإنسان في حين أنها مكملاً للحب، بل انه بدون العزلة لن يُطيل الحب بقاءه إلي جانبنا. وبدون العزلة لن تتمكن النبتة من النمو ولن يتمكن الحيوان من البقاء علي قيد الحياة. وبدون العزلة لن يتمكن الفنان من أن يكون مبدعاً خلّاقاً.
إن العزلة سبيلاً إلي القوة والقدرة، سبيلاً إلي الحكمة والمعرفة الحقيقية، وسبيلاً إلي قوة الخلق والإبداع. وأكثر أفكار الجنس البشري عظمة هي التي جائت في لحظات العزلة، وأعظم أوقات حياتنا أهمية دائماً نكون فيها وحدنا، مثل الميلاد والموت.
إن العزلة لا تعني الوحدة وغياب الرفقة والمؤانسة، بل هي اللحظات التي تتحرر فيها أرواحنا لتتحدث معنا وتساعدنا علي التفكير وإتخاذ القرارات المهمة بشأن حياتنا.
إنها تجعل من نفوسنا رفيقاً لنا وتمنحنا الفرصة العظيمة للتعرف علي نفوسنا، علي مواطن ضعفها وعلي قواها،علي آلامها وجراحها ورغباتها. وتمنحنا العزلة فرصة الإهتمام بجراحنا النفسية والإستشفاء الذاتي النفسي والروحي. ومع نفوسنا لن نكون غرباء عنها ولن نكون غرباء علي الله، يقول الصوفي المسلم: “من عرف نفسه عرف ربه”.
وفي العزلة نتعرف علي حوافزنا ومحركاتنا الداخلية فنستمد منها القدرة علي التحرك في الحياة ورسم الخطط ووضعها موضع التنفيذ، وبدون هذه الفرصة لن نتعرف علي تلك القوة الكبيرة التي تكمن بداخلنا وتحركنا. وهذه القوة تشبة الفيل الضخم الذي يركبه الرجل الهندي، فإذا أراد الفيل أن يتحرك في إتجاه وأراد الرجل الهندي أن يتحرك في إتجاه آخر فستكون نتيجة هذا التعارض هو الإنتصار الساحق لإرادة الفيل، أما الرجل الهندي فسيشعر بالإحباط والفتور وخيبة الأمل. والسبب في ذلك أنه لم يتعرف علي المحفزات التي تحرّك الفيل.
إننا لن نعرف أنفسنا ما لم ننفرد بها من خلال العزلة. والذين لم يعرفوا أنفسهم سيخافون من العزلة خشية الفراغ. وللحق فإن الفراغ لا وجود له في هذا الكون، لأن هناك عالم شاسع مستتر في أرواحنا ينتظرنا أن نكتشفه، عالم ملئ بالقوة والقدرة العظيمة جداً لدرجة أننا نخشى الإعتراف بوجوده.
عالم يُجبرنا عند إكتشافه، علي تقبل واقع أننا نستطيع المضي قدماً، أبعد مما نظن. وهذا الأمر يرعبنا لأننا لا نفضل المخاطرة، ونخشى دائما أن تتحقق أحلامنا حتي تظل فقط مجرد أحلام. ولنا دوماً الخيار في أن نقول: ” لم أفعل ما كان عليّ فعله، لأن الآخرين لم يسمحوا لي بفعله”. وهذا القول مريح وآمن، وفي الوقت نفسه، يساوي رفضنا لقوانا وقدراتنا الخاصة.
إن من يفضلون أن يصرفوا حياتهم غرباء عن نفوسهم وعن قواهم مبررين ذلك بقولهم: ” لم تسنح لي أي فرصة!” سيغرقون كل يوم في بئر قيودهم، وسيمضون سنين حياتهم في ضعف. وهؤلاء سيعجزون عن التسلّق وإعادة إكتشاف النور اللامع الذي يبرق من الفتحة التي فوق رؤوسهم.
ان مواجهة العزلة تحتاج إلي الشجاعة، وأما الذين يقولون: ” لست شجاعاً بما يكفي” فهؤلاء لا يعلمون أن الذنب ذنبهم هم وليس ذنب سواهم، وعاجلاً أم آجلاً، سيجدون الإيمان اللازم لمواجهة العزلة وخباياها.
أما أولئك الذين لا يخشون مواجهة العزلة، والتي تُخفي عالم ملئ بالخبايا والأسرار, فسيكون لكل شئ في حياتهم طعم مختلف.
تم التحديث في 10 فبراير,2019 بواسطة موسوعة الإدمان