التساؤل هو طبيعة عمل الفكر الانساني، والتفكير ما هو إلا عملية مستمرة من التساؤل والبحث عن الإجابات المناسبة لاستكشاف المجهول، حيث يعرفه المناطقة بأنه حركة الذهن من المعلوم الي المجهول، وهذه الحركة لا تتم الا من خلال التساؤل وطرح المزيد من الأسئلة، فالتساؤل والتفكير هما وجهين لعملة واحدة، وهما الطريق إلى اكتساب المعرفة …
يقول الحكيم الصيني “كونفوشيوس”: ” لا يمكن للمرء أن يحصل على المعرفة إلا عندما يتعلم كيف يفكر”.
وللتفكير أهمية عظمى لأنه هو الذي يشكّل واقع الإنسان الذي يعيشه، فما يفكر الإنسان فيه يتحول الي واقع مرئي من حوله، وهذه الحقيقة تؤكدها جميع الأديان والثقافات، ويقول عنها “غاندي”: ” ما المرء إلا نتيجة أفكاره ، ما يفكر فيه ، يصبح عليه” ، وكذلك تقول الحكمة الهندية القديمة ” أنت اليوم حيث أتت بك أفكارك وستكون غداً حيث تأخذك أفكارك”، وبرغم تلك الأهمية العظمى للتفكير نجد أن الأغلبية العظمي من البشر لا يفكرون إلا قليلاً، وربما لذلك نجد في القرآن الكريم آيات كثيرة تسلط الضوء علي هذه المشكلة، تختتم بالقول الإلهي: ” أكثرهم لا يعقلون” و ” لعلهم يتفكرون” و ” أفلا تعقلون” …
ويقول الفيلسوف “براتراند راسل” عن هذه المشكلة أيضاً: ” معظم الناس يفضلون الموت علي التفكير … وفي الحقيقة فإن هذا ما يفعلونه!”، وهذا يعني ان التفكير عملية تتطلب المبادرة والإصرار والشجاعة أيضاً، يقول “توماس زاس”: ” التفكير عملية تتطلب الشجاعة أكثر من الذكاء”.
والسؤال بالنسبة للعقل البشري هو الذي يحفّز عملية التفكير كما ذكرنا، وهو أقصر الطرق للوصول الي المعرفة، وكل الأمور التي نجهلها ما هي إلا أسئلة لم نطرحها، وكل المشكلات التي نواجهها ما هي إلا أسئله لم نجد لها إجابات صحيحة.
وتعد الاسئلة في ذاتها معرفة للهدف الذي نريد الوصول إليه ومعرفة للأمور التي نحتاج الي معرفتها، إنها ليست مجرد استفهامات ولكنها معرفة لديها غرض ولديها فضول جامح نحو معرفة المزيد، ان الاسئلة ما هي إلا معرفة مشتاقة الي ذاتها.
ونحن عندما نتساءل نكون قد وضعنا أيدينا على مشكلة، لأن المشكلة ما هي إلا سؤال لم نجد له جواباً كما ذكرنا، ونكون قد صنعنا لنا هدفاً نرغب في بلوغه وهو “الإجابة” على تساؤلنا، ونكون قد سلكنا طريقاً محدداً من بين مئات الطرق المتشابكة لبلوغ هذا الهدف، وإذا أردنا أن نعبّر عن هذا بإيجاز فإننا سنقول ان السؤال هو نصف الإجابة، إذا لم يكن معظمها.
لذلك من الجيد أن نستخدم هذه القوة العظيمة للأسئلة، وأن نطرح الكثير من التساؤلات، لينطلق عقلنا باحثاً عن الإجابات والحلول، وذلك لن يجهده لأن هذه هي طبيعته، وبعد ذلك علينا أن ننصت له وللإجابات التي سيقدمها لنا، وأن نرحب بكل فكرة جديدة تأتي إلينا مثل ضيف عزيز علينا.
لماذا نفعل ما لا نريد فعله؟، لماذا نتكاسل عن أهم الأشياء؟، لماذا نتخلى عن رغبتنا في النجاح والسعادة والثراء أغلب الوقت؟، لماذا نفضّل لوم أنفسنا على تشجيعها وعقاب أنفسنا على مكافأتها؟، لماذا نستسلم بسرعة للفوضى وللكسل وللقلق وللتفكير السلبي؟
ما الذي يدفعنا نحو الفشل بهذه القوة؟، ولماذا دوافعنا نحو النجاح ضعيفة؟، لماذا نهرب من اللقاء الصامت مع أنفسنا معظم الوقت؟، لماذا يشغلنا التفكير في الأمور التافهة عن التفكير في الأمور المهمة؟، لماذا نعتبر أن الآخرين هم الأهم ونصرف كل الوقت في محاولة إرضائهم؟، ما الذي يحاول ان يمنعنا دوماً عن إدراك النجاح والسعادة؟
لماذا نحن ضعفاء أمام شهواتنا؟، لماذا نفضّل التمنّي علي العمل وبذل الجهد؟، لماذا نبذل الجهد في سبيل الفشل بوعي أو بدون وعي؟، لماذا نفضّل الأخذ على العطاء رغم معرفتنا بفضل العطاء؟، لماذا تسقط مبادئنا؟، لماذا نقول مالا نفعل؟، ولماذا نفعل ما لا نرغب في فعله؟، ما هي غاياتنا النهائية الحقيقية؟، لماذا لا نقبل حقيقة اننا مختلفون في كل شيء؟، وما هي الفروق التي لا ندركها بين الناجح والفاشل والغني والفقير؟
لماذا نسعى لحشر أدمغتنا بأمور لا ترتبط بغاياتنا النهائية؟، لماذا نبدو تعساء وسيئين الحظ، بل لماذا نحن تعساء فعلا؟، لماذا الفشل والفقر والمرض والشيخوخة وكل أشكال المعاناة؟، لماذا القلق والاكتئاب رغم ذكائنا؟، لماذا لا نستطيع الحفاظ على تفاؤلنا الا قليلاً؟، لماذا نفشل في الحب وفي الصداقة وفي العمل؟، لماذا لا نستطيع الالتزام بما قررنا الالتزام به، ولا نستطيع الوفاء بالوعود التي وعدنا بها؟، لما اصلا لا نستطيع؟، لماذا ينقصنا ما ينقصنا؟، ولماذا نفتقد الي ما نريد؟، لماذا لدينا ميل طبيعي للخطيئة؟، وميل طبيعي للفشل؟، وميل طبيعي للسلبية؟، وكيف نحول هذا الميل الطبيعي إلي النجاح والايجابية والسعادة؟
اسأل، وأكثر من التساؤل، والتفكير، لعل الغيوم تنقشع، ويزول الظلام عن الجوانب المظلمة في حياتك، ليحل محله النور.
تم التحديث في 17 أكتوبر,2019 بواسطة موسوعة الإدمان