أعمق ما فينا نحن البشر هو الإعتقاد، ومن الإعتقاد ينبثق الفكر ومن الفكر تنبثق المشاعر، والمشاعر تدفعنا إلي الفعل فينبثق السلوك الذي يكون سبب دائماً لنتيجة ما تتحقق علي أرض الواقع، وبالتكرار تتكون العادات التي بدورها تكوّن الشخصية.
فالإعتقاد هو الأصل لأفكارنا ولسلوكياتنا وعاداتنا، وأي تغيير في الإعتقاد يتبعه تغيير في كل المستويات التي تليه من فكر ومشاعر وسلوك وعادات وشخصية ومصير. وما الذي يدفع الجندي إلي التضحية بحياته من أجل وطنه أو من أجل قضية ما؟ إنه الإعتقاد.
وقد يكون الإعتقاد بنّاء وقد يكون مدمّر، وقد يكون الإعتقاد حرية مطلقة وقد يكون سجن يسجن فيه الإنسان بفكره ومشاعره وسلوكه وحياته كلها. وقد يتسبب إعتقاد ما بشفاء الإنسان وقد يتسبب أيضاً بموته. وكل الأطباء الآن يعرفون تمام المعرفة أن دور العلاج الدوائي لأي مرض ما هو إلا دوراً ثانوياً مهمته فقط تسيير عملية الشفاء وأن الدور الأهم في العلاج هو دور الإعتقاد الذي يعتقده المريض في هذا الدواء.
وربما لذلك ظهر علاج فعّال لكل الأمراض يباع في الصيدليات وهو علاج رخيص جداً وفعّال جداً ويعالج جميع أنواع الأمراض، هذا العلاج هو (البلاسيبو) وهو عباره عن حبيبات مصنوعة من السكر يعطيها الطبيب الواعي إلي المريض شارحاً له ان هذه الحبيبات ستُشفي جميع آلامه ويقنعه بأنه علاج فعال وسريع المفعول، ويتناولها المريض وبالفعل يُشفى تماماً من مرضه. هذه الحبيبات (البلاسيبو) ما هي إلا سكر، أو بمعني أدق ما هي إلا إعتقاد بالشفاء.
يمكنك أن تجرّب هذا الأمر بنفسك مع طفلك إذا تألم وستجد أنه علاج فعال جداً ولن تحتاج إلي الذهاب إلي الطبيب. كل ما ستحتاج إليه هو أن تُجيد فن الإقناع بأن هذه الحبيبات هي أقوى علاج.
وقديما أكتشف العالم “فرانز أنتون ميسمر” مخترع علم التنويم المغناطيسي أنه من خلال وضع المغناطيس علي جسد المريض فإنه يُشفى من المرض بشكل يصل إلي حد الإعجاز، ثم قام بعد ذلك بممارسة العلاج باستخدام قطع من الزجاج والمعادن المختلفة وكانت تؤدي الي نفس النتيجة، وبعد ذلك انتقل إلي وسيلة أخرى يقوم فيها باستخدام يديه فقط من خلال تمريرها علي جسد المريض!. وبرغم كل الإدعاءات والحديث الطويل الذي دار في تلك الفترة حول النظريات والتخمينات حول سر نجاح ميسمر في العلاج، فإن العلاج كان يحدث بفضل إعتقاد المريض في الشفاء وكان ميسمر يُجيد إقناع زبائنه بذلك. وهذا مستمر إلي الآن في كل أنحاء العالم، وفي كل الديانات يوجد المعالجين الروحانيين، كل له طقوسه وطريقته في العلاج ولكن القاعدة الأساسية المشتركة بينهم جميعاً هي قوة الإعتقاد.
وإذا أردت استخدام هذا المبدأ وهذه المعرفة من أجل تحقيق رغباتك وطموحاتك فإنها ستعمل أيضا بنفس الجودة. وتقول الحكمة القديمة ” أيما كانت الأشياء التي ترغبها، ضع في إعتقادك وإيمانك عندما تصلّي أنك ستحصل عليها، وسوف تحصل عليها”.
ويشبه “جوزيف ميرفي” مؤلف كتاب ” قوة عقلك الباطن” الإعتقاد بالبذور التي تزرع في الأرض الخصبة فيقول: ” إن الإيمان بالشئ هو الركيزة الأساسية لتحقيقه، فإنك إذا زرعت أنواعاً معينة من البذور في الأرض، فإنها سوف تطرح نفس النوع. هذه هي طريقة نمو البذور، وبثقتك في قوانين النمو والزراعة، أنت تعرف أن البذور ستنمو وفقاً لنوعها”. وهذا القول يضعنا أمام سؤالين رئيسيين، الأول ما هو نوع البذور (الإعتقادات) التي تريد زراعتها في عقلك؟، والثاني هو ما نوع البذور (الإعتقادات) المزروعة بالفعل في عقلك؟ سواء كنت أنت الذي زرعتها بنفسك أم الآخرين.
إننا بحاجة إلي إعادة النظر في كل المعتقدات الموجودة برؤسنا والمتعلقة بشأن النجاح والشفاء والثروة والسلام والخير والمودة والحب والإخلاص والآخرين والعمل والنعمة والحياة.
تم التحديث في 10 فبراير,2019 بواسطة موسوعة الإدمان