إن القلق من أكثر المشكلات التي تؤرّق الناس في مجتمعنا. بسبب الخوف علي المستقبل، والخوف من فقدان ممتلكات الحاضر، والخوف من المجهول ومن تقلبات الحياة.
خصوصاً أننا نعيش في حالة طوارئ وأزمات مستمرة، وحياتنا غير مؤمّنة إقتصادياً ونشعر أننا علي حافة الهاوية.
وما لا يعرفه الكثيرون عن القلق أنه مرض قاتل وربما يكون أكثر الأمراض خطورة. والكثير من الأطباء عبر التاريخ حذّروا من خطورة القلق، ولقد كتب الدكتور ” الكسيس كاريل” الحائز علي جائزة نوبل في الطب يقول: “أن رجال الأعمال الذين يكافحون القلق يموتون مبكراً”. ولا يقتصر القلق علي رجال الأعمال فقط بل يشمل جميع البشر من جميع الفئات الأخرى.
ويقول الدكتور ” جوبر” وهو أحد كبار الأطباء في أمريكا ” ان في استطاعة سبعين في المائة من المرضى الذين يقصدون إلى الأطباء، أن يعالجوا أنفسهم بأنفسهم، إذا هم تخلصوا من القلق والمخاوف التي تسيطر عليهم”.
ويتابع “ولا تحسبن أنني أقصد بذلك إلى أن أمراضهم وهمية، بل هى حقيقية لها ألم يعادل ألم الأسنان التالفة،
وربما كان أشد منها بمئات الأضعاف، وأذكر مثلا لهذه الأمراض عسر الهضم العصبي، وقرحة المعدة، واضطرابات القلب، والأرق والصداع، وبعض أنواع الشلل.
هذه الأمراض تحدث حقيقة، وأنا أعلم ما أقول، فأنا نفسي قد شكوت قرحة المعدة مدى اثنتى عشرة سنة.
فان الخوف يسبب القلق، والقلق يسبب توتر الأعصاب واحتداد المزاج، ويؤثر في أعصاب المعدة، ويحيل العصارات الهاضمة إلى عصارات سامة تؤدي في كثير من الأحيان إلى قرحة المعدة”.
ولا شك أن نسبة سبعين في المائة من المرضى ليست نسبة قليلة، الأمر الذي يجعلنا نهتم أكثر بقضية مكافحة القلق ومساعدة هؤلاء السبعين بالمائة.
واذا كان الدكتور جوبر قد ذكر لنا السلسلة المتتابعة من أسباب الأمراض والتي تبدأ بالخوف فيسبب القلق فيسبب توتر الأعصاب فيسبب احتداد المزاج ومن ثم التأثير علي أعصاب المعدة.
فإننا نجد وصفاً بليغاً لأسباب نفس المرض علي لسان دكتور ” جوزيف ف. مونتانجي” مؤلف كتاب ” اضطرابات المعدة العصبية” فيقول: ” أن قرحة المعدة لا تأتي مما تأكله، ولكنها تأتي مما يأكلك”.
كيف تتخلص من القلق ؟
والوصفة السحرية للتخلص من القلق (علاج القلق) هي ( العيش في حدود اليوم )، بمعنى أن لا نشغل أنفسنا بما سيحدث في المستقبل وأن نركّز علي العيش في حدود اليوم فقط.
يقول ” السير ويليام أوسلير” في خطبة له للطلاب الخرجين من جامعة يال : أغلقوا الأبواب علي الماضي .. وأوصدوها دون المستقبل، وعوّدوا أنفسكم العيش في حدود اليوم”.
ويقول أيضاً : “إن أفضل الطرق للإستعداد للغد، هي أن نركّز كل ذكائنا وحماسنا في إنهاء عمل اليوم علي أحسن ما يكون ..
هذا هو الطريق الوحيد الذي نستعد به للغد”. ولا شك أنها وصفة رائعة للتخلص من هموم المستقبل والقلق الناجم عنها.
فاذا ذكّرنا أنفسنا باستمرار بأن المستقبل يبدأ من اليوم وأن اليوم هو الأجدر بالإهتمام وأنه لا فائدة من القلق علي المستقبل،
فاننا قد نصرف عنه تركيزنا لنصبه فيما بين أيدينا اليوم لننجزه. خصوصا إذا تذكّرنا أن الأضرار الصحية للقلق خطيرة علي حياتنا.
وعن نفس المعنى كتب الروائي الكبير “روبرت لويس ستيفنسون” يقول : “كل امرئ يستطيع أن يحمل عبئه، مهما ثقل، إلى أن يرخي الليل سدوله.
وكل امرئ يستطيع أن ينجز عمل يوم واحد مهما صعب. وكل امرئ يستطيع أن يعيش قرير العين راضياً ، صبوراً، محباً، نقياً،
إلى أن تغرب الشمس. وهذا ما تبغيه منّا الحياة في الحقيقة”.
ذلك لأن اليوم يُختزل فيه الحياة بأسرها، كما عبر عنه الشاعر الهندي ” كاليداسا” فيقولك: “انظر إلي هذا اليوم !،
انه الحياة. جوهر الحياة. في ساعاته القليلة. تكمن حقيقة وجودك : معجزة النمو. ومجد العمل. وروعة الإنتاج.
فالأمس ليس إلا حلما. والغد ليس إلا خيالاً. وأما اليوم إذا عشناه كما ينبغي، فإنه يجعل من الأمس حلماً سعيداً،
ويجعل من الغد خيالاً حافلاً بالأمل. وهكذا يجب أن نحيي الفجر !”.
إنها الوصفة السحرية التي يصفها جميع الحكماء والبلغاء لقهر القلق، ذلك الطاعون المنتشر في مجتمعاتنا ويحرمنا من الاستمتاع بالحياة، لأن معادلة السعادة تقول ان علينا أن نتعلم أن نوازن بين شيئين ضروريين هما النجاح في الحياة والإستمتاع بها.
تم التحديث في 3 يناير,2019 بواسطة موسوعة الإدمان