قانون التفكير هو أحد القوانين الكونية التي تحكم حياة البشر، وينص هذا القانون علي أن “الإنسان هو ما يفكر به طوال الوقت”، وتقول إحدى الحكم القديمة “كل امرئ يكون كما يفكر في قلبه”، وتقول أيضاً الحكمة الهندية القديمة: “أنت اليوم حيث أتت بك أفكارك وستكون غداً حيث تأخذك أفكارك” بمعني أن ما يفكر فيه الإنسان باستمرار ينعكس علي واقعه ويدركه في تجربته الحياتية.
ولهذا القانون جانبين، الأول هو الجانب العقلي، أي ما تتخيله وما تفكر فيه، والجانب الآخر هو الجانب العاطفي الذي تشحن به أفكارك بطاقة المشاعر والعواطف، وهكذا فإنه يمكن صياغة هذا القانون كالتالي..
كل ما تتخيله (في تفكيرك) تشحنه بالطاقة (مشاعرك وعواطفك)، وكل ما تشحنه بالطاقة، تدركه (في تجربتك الحياتية).
وهذا يعني أن الأفكار المصحوبة بالعاطفة ستتحول إلي واقع وتجارب حياتية، بصرف النظر عن ماهية هذه الأفكار هل هي سلبية أم ايجابية.
إنه قانون مثله مثل قانون الجاذبية الارضية ولا يفرق بين ما هو سلبي وما هو إيجابي وإنما فقط يقوم بعمله، فاذا ألقي شخص ما بنفسه من فوق سطح مبنى فإنه بالتأكيد سيسقط ولن يفرّق قانون الجاذبية الارضية في هذه الحالة بين الشخص الصالح والشخص الطالح، فكلاهما سيسقط حتما بفعل الجاذبية، وهكذا هو الحال مع قانون التفكير.
والفكر والعاطفة يكوّنان الاعتقاد الذي يعني التصديق التام للفكرة، وفي كتاب “غير تفكيرك تتغير حياتك” للكاتب “براين تريسي” يقول: “أياً كان ما تعتقده فسيتحول إلي حقيقة عندما تمنحه مشاعرك، وكلما اشتدت قوة اعتقادك، وارتفعت العاطفة التي تضيفها إليه تعاظم بذلك تأثير اعتقادك علي سلوكك وعلي كل شيء يحدث لك”، ولا شك أن الأشخاص الذين حققوا النجاح والثروة والصحة هم الذين تعلموا أن ينقحوا أفكارهم واعتقاداتهم ليتخلوا عن الأفكار التي تسبب الفشل.
ولا شك أن هذا المفهوم يوسّع قائمة خيارات الإنسان في الحياة ويجعله قادراً علي استعادة سيادته وسلطته علي العالم الذي سخّره الله له، ولا شك أنك ستشعر بالراحة والطمأنينة ايضاً عندما توقن بأن باستطاعتك أن تكون ما تريده عندما تتعلم كيف تستخدم قانون التفكير لصالحك وتتحكم في أفكارك وتوجهها نحو أهدافك وغاياتك، وعندئذ لن تكون عرضة للاكتئاب والخوف والاحباط اطلاقاً. وفي كتاب ” كيف تكون إيجابياً” للكاتب “ريتشارد بريلي” يقول: ” يدعك التفكير الإيجابي تختار من قائمة أهداف الحياة المستقبل الأفضل الذي يحقق أهدافك”.
اذاً كيف نستخدم قانون التفكير لصالحنا ؟ .. يبدأ ذلك بالفهم، فعندما نفهم القانون جيداً سنستطيع استخدامه بشكل أفضل. ولا يمكن أبداً للفهم السطحي أن يأتي بالنتائج التي يأتي بها الفهم المتعمق، حيث أن النظرة المتعمقة تكشف أكثر بكثير من النظرة العابرة، ولهذا علينا أن نلقي نظرة أكثر تعمقاً علي قانون التفكير لكي نستخدمه بشكل أفضل. ولهذا القانون ثلاثة نواحي وهم..
1 – أفكارك عن نفسك: أي صورتك الذاتية، بمعني كيف ترى نفسك وكيف تقدّر قيمة نفسك وكيف تحترم نفسك، وتحت هذا يندرج أيضاً كيف ترى نفسك كزوج، وكيف ترى نفسك كأب، وكيف ترى نفسك كأبن، وكيف ترى نفسك كمتحدث في المجالس، وكيف ترى نفسك كصديق، وكيف ترى نفسك كأخ، وكيف ترى نفسك كعضو في المجتمع، وكيف ترى نفسك كعبد لله، وكيف ترى نفسك كمتعلم، وكيف ترى نفسك كمنصت للآخرين، وكيف ترى نفسك في مجال عملك، وكيف ترى نفسك كـ .. وهكذا في كل الأدوار التي تقوم بها في حياتك.
فعندما تفكر بإيجابية في نفسك في اي من هذه الأدوار فان حياتك ستتحسن فيها، ويقول دكتور “نورمان فنيست بيل” في كتابه “قوة التفكير الإيجابي”: “فحينما تتوقع الأفضل فإن هذا يبرز أحسن ما فيك، وأنه لأمر يدعو للعجب أن توقع الأفضل يثير القوات الكامنة في الجسم لتحقيق هذا الذي نتوقعه”.
2 – أفكارك عن الآخرين: هل هم معك أم ضدك، جيدين جداً أم سيئين، يستحقون الحب أم لا يستحقون إلا الكره، أخيار أم أشرار، ملائكة أم شياطين. وفي كل الحالات تكون محقاً في وجهة نظرك، لأن قانون التفكير سيعمل وسيتابع عمله بصرف النظر عن مصلحتك، فاذا نظرت للآخرين علي أنهم أشرار فلن يُريك قانون التفكير منهم إلا الشر، وكذلك فان نظرت لهم علي أنهم أخيار فانه سيجعلك ترى منهم الخير. وبالتأكيد فان مصلحتك في ان تراهم أخيار حتي تحصل منهم علي الخير، وان تراهم يستحقون الحب حتى تحصل منهم علي الحب، وان تراهم يستحقون التقدير والاحترام حتى تحصل منهم علي التقدير والاحترام.
وليس من مصلحتك ابداً ان تظن بهم ظن سوء، حتى وان كانوا بالفعل سيئين. ويقول “عمر ابن الخطاب” رضي الله عنه: ” لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شراً، وأنت تجد لها في الخير محملاً” ولذلك فإن هناك قاعدة عليك أن تتبعها لكي تجعل قانون التفكير يعمل لصالحك عندما تتعامل مع الآخرين، هذه القاعدة تنص علي أن ( وراء كل سلوك سلبي نيّة إيجابية ) بمعني أن أي سلوك سلبي أو سيء يصدر عن الآخرين يكون وراءه نيّة إيجابية، فالسارق مثلاً يسرق وفي نيّته ان يطعم ابنائه، والكاذب يكذب لكي يبدوا جميلاً .. وهكذا، وعليك أن تمارس هذه القاعدة باستمرار حتي وان لم تكن مقتنعاً بها في البداية.
3 – أفكارك عن العالم: وتعنى رؤيتك عن الحياة وعن العالم الذي تعيش فيه، هل الحياة عادلة أم غير عادلة، هل هي غنية تسودها الوفرة أم فقيرة تسودها الندرة، هل آمنة أم غير آمنة، وهل الله عادل أم غير عادل، هل يرعاك أم أنه خلقك وتركك لتعيش، هل الله كريم معك أم لا، هل يحبك أم لا، هل يحميك أم لا، هل يرزقك بوفره أم لا، وكل تلك الأمور المتعلقة بنظرتك عن الحياة والعالم. وتذكر أنك المسئول عن الاجابات لكل تلك التساؤلات.
ولا شك ان الامر يحتاج الي التفكير والتأمل في نعم الحياة حتى تكتشفها وتؤمن بها بعواطفك وبالتالي تبدأ في جذبها إليك بقانون التفكير. لماذا جعل الله السفن تسير في البحار بأمان لتنقل ما ينفع الناس، ولماذا كل هذه الأمطار الوفيرة والهواء الوفير والكائنات التي لا تحصى والمناظر الخلابة التي لا تحصى، يجب ان نتفكر كثيراً في الكون وفي خلق الله حتي تتكون في أذهاننا رؤية كونية تجعلنا أكثر احساساً واستشعاراً بنعم الله التي لا تحصى، وان نمارس الشكر الذي يفعّل قانون التفكير والذي يبارك النعم حتي نحصل علي المزيد منها.
وبينما نتعلم كيف نستخدم هذا القانون بشكل أفضل لصالحنا يجب علينا أن نتبع قاعدة أخرى ذهبية وهي “الممارسة” أي ممارسة ما تعلمناه عن قانون التفكير باستمرار حتي يتحول عادة، لأن عقولنا تتعلم بالممارسة، فعندما نتعلم قيادة السيارة أو الدرّاجة تكون عملية القيادة في البداية صعبة ولا نستطيع التركيز في أي شيء آخر غير “الممارسة”، ممارسة القيادة مرات ومرات حتي تصبح القيادة أمراً سهلاً وعادياً. لذلك علينا أن نمارس توجيه أفكارنا نحو أهدافنا باستمرار حتي يصبح التفكير الإيجابي عادة لدينا وحتى نسخّر قانون التفكير لخدمتنا.
تم التحديث في 8 أبريل,2019 بواسطة موسوعة الإدمان