كنا قد توقفنا في المقال السابق على تساؤل مهم وهو هل المشكلة في المخدرات أم في الإنسان؟؟ وماذا إذا نجحنا في إخلاء البلاد من كل أنواع المخدرات؟، هل ستختفي؟ أم أنها ستأخذ أشكالاً أخرى؟
الحقيقة الصادمة هي أن المخدرات تأخذ أشكال وتنوعات لا تحصى، ويمكن لأي شيء أن يتحول إلي مخدر إذا قمنا بتوسيع مفهوم المخدرات أكثر، طالما توافرت فيه العوامل التي سنتحدث عنها فيما يلي …
ما يجعل الإنسان يتعلق بالمخدرات إلي هذا الحد برغم أنه يعرف أنها تتسبب في هدم حياته بالكامل وقد تتسبب في موته هو أنها تحتوي علي مواد إدمانية تجره وتجذبه نحوها وتجعله يدمن عليها من جهة، ويجد فيها مهرباً من واقع حياته التعيس والمؤلم من جهة أخرى، بمعنى أنها تناديه وتجذبه من جهة، وهو يستجيب لها ويلبي نداءها من جهة أخرى.
ويبدو أن عاملين الجذب والاستجابة يشكلان معاً حلقة مفرغه يدور فيها الإنسان المدمن للمخدرات، فعامل الجذب للمخدر يغويه ويشده نحو المخدر، وعامل الاستجابة من قبل المدمن يجعل منه تابع للمخدر ويجعله الطرف الأضعف في هذه العلاقة.
فالمخدر ينادي والمدمن يستجيب، وتعني استجابة المدمن في هذه العلاقة انه يأخذ دور التابع أو المنقاد أو اللاهث خلف المخدر، وان المخدر هو الذي يأخذ دور المتبوع أو القائد وهو الطرف الأقوى والمسيطر في هذه العلاقة، وهكذا يتحول المدمن إلي سجين في هذه العلاقة أو هذه الحلقة المفرغة التي يظل عالقاً فيها بين عاملين الجذب والاستجابة، وكلما تكرر الأمر واستمر في التعاطي كلما ضعفت قوته وازدادت قوة المخدر وسطوته عليه إلي ان يفقد المدمن كل قوة يمكن أن يقاوم بها لينقذ نفسه، وهنا لابد من التدخل وتقديم المساعدة من آخرين متخصصين لإنقاذ هذا المسكين.
وبهذا المعنى يتسع مفهوم المخدرات ليشمل كل ما يثير رغبة الإنسان وكل ما يجذبه وكل ما يستجيب له الإنسان بشكل متكرر،
ما يعني أن أي شيء يتوافر في علاقتنا به عاملين الجذب والاستجابة هو شيء يبعث علي الادمان.
ان الاستجابة دليل واضح علي الطاعة والخنوع والاستسلام، ودليل واضح علي التبعية وربما تعني في بعض الأحيان الهزيمة.
ومن خلال استجابة الانسان المتكررة لأي عادة – حتى ولو كانت عادة مفيدة مثل الأكل أو النوم أو العمل – يجعل منه تابعاً منقاداً خلف هذه العادة ويجعل منه طرف أضعف في علاقته بها.
وهو ما يجعل منه مدمناً لها إذا ما استمر عليها وعلي الاستجابة لها طالما تتوافر بها عامل النداء أو الجذب.
واذا كان الادمان هو التعلّق المرضي بالأشياء، فإن هذه الفكرة تجعل من الإدمان شبحاً متخفياً في كل شيء يرغب فيه الإنسان، ويتخلل كل علاقة من علاقاته، فقد يدمن الإنسان صديقه، وقد يدمن زوجته، وقد يدمن طفله، وقد يدمن هاتفه أو سيارته أو عمله أو حتى تلك الإشعارات التي تأتي إليه من مواقع وبرامج التواصل الاجتماعي، وقد يدمن فكرة سوداء أو سلوك تافه بمجرد تكرار استجابته لهذه الفكرة أو هذا السلوك أو ذاك الصديق أو تلك الزوجة.
ان هذا الفهم للإدمان وللعلاقات الإدمانية يجعلنا أكثر يقظة وأكثر وعياً لذواتنا ولحياتنا ولفخ الإدمان الذي قد نجد أنفسناً واقعين فيه دون أن ندري، أو يمكن أن نقع فيه في أي وقت.
تم التحديث في 17 مايو,2019 بواسطة موسوعة الإدمان