يتكون الإنسان من مجمل عاداته وسلوكياته وخبراته الشخصية، بمعنى أن عادات الإنسان وسلوكياته وخبراته التي مر بها في الحياة هي التي تشكّل شخصيته، وهي التي تحدد نوعية شخصيته. ولكل إنسان شخصية فريدة مثل البصمة لا تتطابق مع غيره، ربما لأن الله من أسمائه أنه الواحد، وخلق كل انسان واحداً متفرّداً في صفاته وفي طبيعة شخصيته، ويظل الإنسان محتفظاً بتفرّده الذي وهبه الله حتى وان تشابه نموذج شخصيته مع كل أفراد مجتمعه، فهناك انواع من الشخصيات ولكن في داخل كل نوع يختلف كل فرد عن الآخر.
ولا شك في أن تغيير عاداتنا الفكرية وسلوكياتنا يؤدي إلي تغيير نوعية شخصياتنا، لأن الشخصية أمر مكتسب من البيئة بنسبة كبيرة جداً وليست فطرية، ويمكن لأي انسان أن يعدّل ويغيّر في نوعية شخصيته إن أراد، فإذا كان شخصاً خجولاً يمكنه أن يغيّر ذلك إن أراد، وإن كان شخصاً انطوائياً يمكنه أن يغير ذلك أيضاً إن أراد، الأمر بيده، ولكن بشرط أن تتوافر لديه الإرادة.
ولا شك أيضاً في أن تغيير شخصية الإنسان يؤدي إلي تغيير مصيره بالكامل علي المدى البعيد، لأن الأمر يشبه العمل علي إطلاق صاروخ، فإذا غيّرنا في قاعدة إطلاق الصاروخ درجة أو درجتين أو ثلاثة، فإن هذا التغيير البسيط يؤدي إلي تغيير مسار الصاروخ بالكامل علي المدى البعيد، وكلما ابتعد الصاروخ أكثر كلما كان التغيير الناتج أكبر.
ولذلك من المنطقي أن نسأل، من أين وكيف نكتسب تلك السلوكيات التي تكوّن شخصيتنا؟، وكيف يمكن التحكّم فيها وتغييرها لكي تحقق لنا المصير الذي نريده ؟ ، وما هي العوامل التي تؤثر فيها؟، وكيف يمكن التحكم في تلك العوامل أيضاً؟
هذه الأسئلة وغيرها الكثير يجب أن نطرحها ونعيد طرحها باستمرار من أجل الوقوف علي حقيقة الوسائل والأدوات التي يمكننا أن نستخدمها لإحداث التغيير الذي نرغبه في شخصيتنا وفي مجتمعنا، ولكي نتعلم أن نكتب مصيرنا ومصير بلادنا بأنفسنا، وهذا الأمر ممكن وليس لدينا أي شك فيه.
ذلك لأن كل انسان من حقه أن يحيا حياته التي يرغبها ويفضلها ويرضى بها لنفسه، ولقد وهب الله الانسان هذا الحق وهذه المقدرة وسخّر له الكون بأكمله وجعله سيداً عليه، لكن الأغلبية العظمى من بني الانسان فرّطوا في هذا الحق، أو علي الأقل لا يشغلون أنفسهم بالسعي لأخذه، وأعجب ما في الأمر أنهم يشغلون أنفسهم بالعيش في حياة فُرضت عليهم وليس لديهم رغبةً فيها!
ان الشخصية أمر مكتسب، وهذه إحدى حقائق علم النفس الكبرى، وإذا لم نتساءل عن كيفية اكتسابنا الشخصية التي نحن عليها وتفحصنا مكوّنات شخصياتنا جيداً، فقد تتحول الشخصية إلي سجن مكتسب، بكل ما تحمله كلمة سجن من معاني.
أعد قراءة الفقرة السابقة صديقي القارئ فإنها تستحق القراءة لمرة ثانية، لأننا يجب أن ننظر ونفكر في نوعية الشخصية التي نكتسبها من مجتمعنا ومن بلادنا، حيث أن لكل دولة أو لكل مجتمع نموذج للشخصية تسعى السياسة إلي فرضه علي أفراد المجتمع، بل ان السياسة الحديثة ان كانت تُنتج شيئاً فإنها تنتج بشراً سبق تصميم نموذج شخصياتهم بطريقة تشبه تصميم مهندسو السيارات لموديل سيارة جديد. فما هو نوع الشخصية التي تنتجها سياستنا ؟ ، ولماذا الناس في مجتمعنا هكذا يبدون وكأن بهم عيب في الصناعة ؟!
قد تكون هذه الحقيقة جديدة عليك صديقي القارئ أو قد تكون صادمة، ولكن مثل هذه الحقائق هي التي ترفع من وعيك، وهذا ما علينا فعله.
اننا إذا تجولنا في شوارعنا وقمنا بإلقاء نظرة علي شخصية كل مواطن سنجد أن صناعتنا السياسية متأخرة جداً، وهذا التأخر العقلي السياسي في مجتمعنا بالتأكيد هو الذي أدى إلي رداءة منتجنا البشري.
ان السياسيين في مجتمعنا متأخرين عقلياً، والسياسة فاسدة، وبحاجة إلي .. فيلسوف.
تم التحديث في 17 أكتوبر,2019 بواسطة موسوعة الإدمان
مقال رائع يلقي ضوءاً علي الجوانب السلبية في الشخصية المصرية والعربية بوجه . . تحية إلي السيد صابر كاتب المقال
أستاذي الفاضل الدكتور حسين علي أستاذ الفلسفة والمنطق بجامعة عين شمس وأستاذي العظيم صاحب الرؤية الثاقبة والعلم الواسع الذي تعلمنا منه الكثير
هذا شرف كبير لي تعليق حضرتك علي مقالي وهذه الاشادة من أستاذ عظيم مثل حضرتك اعتز بها كثيراً
شكراً جزيلاً أستاذي الفاضل
ولحضرتك أجمل التحيات