يعد الخوف من التغيير من أكثر أنواع الخوف إنتشاراً علي سطح كوكبنا، وكذلك يعد من أكبر معوقات النجاح والنمو والتطور في حياتنا.
ونحن نرغب دائماً في الحفاظ علي ما لدينا والإكتفاء بما حققناه في عالمنا. ونخاف من التغيير، لأننا نعتقد أننا نعرف عالمنا، مع أن هذا العالم قد لا يكون هو أفضل العوالم، ومع أننا قد لا نكون راضين تماماً به، ولكنه علي الأقل آمن وليس به أخطار ولن يقدم لنا المفاجآت المزعجة. ومتى أقتضت الحاجة سنكتفي فقط بإجراء تعديلات طفيفة عليه لكي يستمر، ولكي يستمر كل شئ علي ما هو عليه.
نرى أن الجبال لا تُغير مكانها وتلازم مكانها دوماً، ونرى أن الشجر المكتمل النمو يتعرّض للخطر ويموت عند نقله من مكان إلي مكان آخر. لذلك نفضّل أن نكون مثل الشجر ومثل الجبال حتى نكون في آمان دائماً. ونحن في قرارة أنفسنا نتمنى أن نطوف العالم مثل الريح أو أن نكون كالطيور التي تسافر من مصر إلي بيروت إلي بغداد وترجع متى تشاء.
نفضّل دوماً أن نحلم بأننا سيكون لنا متسع من الوقت في المستقبل لكي نتغير فيه ولكي نغيّر الآخرين ونغيّر أماكننا ونسافر يوماً ما. وهذا الأمر يبهجنا لأننا نعرف أننا قادرون علي القيام بما يفوق ما نفعله. وهكذا هي الأحلام دوماً، غير محمّلة بالأخطار. بل يكمن الخطر في أن نحوّل الأحلام إلى حقيقة. وأغلبنا لا يفضل المجازفة والتعرض للخطر.
لكن لا مفر من التغيير، ولابد من التغيير أن يحدث، وسيأتي اليوم الذي يطرق فيه الأبواب بعنف وسنكون مجبرين علي استقباله، وهذا هو التغيير الذي يحدث لنا باستمرار وليس التغيير الذي نحدثه نحن.
وشتان بين من يحدث لهم التغيير بدون تدخل منهم وبين من يُحدثون التغيير بأنفسهم. النوع الأول يكونون مثل الذي يترك نفسه لتيار البحار ليأخذه في أي إتجاه، أما الثاني فهم الذين يقودون التغيير ويوجهونه من الجيد إلي الأفضل باستمرار إذ لابد من أن يكون التغيير المقصود الي الأفضل دائماً.
وأولئك الذين يظنون أن الجبال لا تتغير فهم مخطئون، فالجبال تعريها الرياح والمطر، وهي تتغير قليلاً كل يوم حتى لو كنا لا نلاحظ ذلك التغيير. وهي سعيدة بذلك وربما تقول: ” من الجيد ألا نبقى على حالنا طوال الوقت”.
وأولئك الذين يظنون أن الأشجار لا تتغير هم مخطئون أيضاً، فالأشجار تتغير في كل موسم تارة تتعرى من الأوراق وتارة أخرى تنكسي بها، ويعد ذلك التغيير جزأ من عملية النمو للشجرة. وهي تنثر بذارها مع الريح بعيداً.
ان الطبيعة تقول لنا في كل مظهر من مظاهرها (تغيروا)، لأن التغيير هو ناموسها الكوني وشريعتها. لكننا في الغالب لا ننصت لنداء الطبيعة، وبدلاً من أن نتغير نتشبث باماكننا وبما نحن عليه ونكافح للحفاظ عليه.
تجد الناس لا يغيرون أماكنهم علي موائد الطعام، كل له مكان ثابت لا يتغير وكأنه ولد لهذا المكان، وتجدهم لا يغيرون الشوارع التي يمرون فيها، ولا يغيرون المطاعم التي أعتادوا عليها، ولا يغيرون من مظهرهم إلا قليلاً، ولا يغيرون اليد التي يكتبون بها ولا يغيرون اليد التي يغسلون بها أسنانهم، ولا يغيرون العادات السيئة التي يقعون في شراكها. ويبدوا أننا نحن البشر كائنات روتينية خُلقت لتعيش في روتين ثابت لا يتغير، وهذا ليس طبيعي، بل مضاد للطبيعة.
لكن ثمة من لا يخافون من التغيير، ويجازفون دائما في إتخاذ الخطوة الأولى في أي إتجاه يرغبون، تارة بدافع الفضول، وتارة أخرى بدافع الطموح، ولكنهم في العموم يخطونها لشعورهم بشوق جامح إلي المغامرة.
يختارون الطريق الأقل سلوكا ولا يسيرون في موكب الآخرين، ويسيرون فيه باحثين عن المغامرة والمفاجآت وعند كل منعطف ينتابهم الخوف أكثر فأكثر، ومع ذلك، وفي الوقت نفسه، يُفاجئون أنفسهم، ويفرحون. هم أقوى وأسعد. وهكذا يتلاشى الخوف لأن الفرح يحرق الخوف.
الفرح إحدى البركات الأساسية التي أنعم الله بها علينا. وإذا كنا سعداء، فهذا يعنى أننا نسير علي الدرب الصحيح.
تم التحديث في 27 مارس,2019 بواسطة موسوعة الإدمان