التغيير هو سنة الكون وشريعة الكائنات، ولا شئ في هذا العالم إلا ويحكمه قانون التغيير. فهو قانون ثابت يعمل باستمرار مثله مثل قوانين الطفو والجاذبية وباقي القوانين الفيزيائية الاخري الا انه يحكم ادق واعمق التفاصيل المتجذرة في هذا الكون، فمثلا عندما تلتقي بصديقك والذي اعتدت ان تلتقيبه عادةً فإن علاقتكما تتغير في أثناء هذا اللقاء إما ان تتغير إلي الأفضل درجة أو درجتين أو أكثر وإما ان تتغير الي الأسوأ درجة أو درجتين أو أكثر، وطبعاً الأمر يعتمد علي جودة التواصل بينكما، وبصرف النظر عما اذا لاحظتم هذا التغيير ام لا فإن قانون التغيير يعمل ويحكم كافة التفاصيل والعلاقات علي هذا الكوكب.
وعلي هذا المعني أكد الفيلسوف اليوناني هيرقليدس حين قال “الشئ الوحيد الثابت في الحياة هو التغيير ” وقال أيضاً ” إنك لا تضع قدمك في النهر مرتين، فإن الماء يتغير كما انت تتغير”.
والتغيير هو مبدأ النمو فإذا أردت ان تفرق بين زهرتين إحداهما حية والأخري ميته حديثاً فستجد تحت المجهر ان الزهرة التي علي قيد الحياة تتغير وتتجدد خلاياها باستمرار أما الزهرة الميته فلن تجد بها اي تغيير يدل علي الحياة. فالتغيير مبدأ الحياة والنمو أما الثبات فهو مبدأ الموت.
ونحن اذ نحيا حياتنا نتغير باستمرار، ويمكننا ان نشبه الحياة بالنهر الجاري المتغير باستمرار وقد تم الإلقاء بنا في هذا النهر عندما جئنا الي الحياة، ومنذ هذا الوقت ونحن نجري ونتغير مع تيار النهر، وهذه هي الطبيعة الفطرية للانسان والتي يكمن فيها سر حياته. ولقد عبر عنها الشاعر والروائي البرازيلي باولوكويليو فقال ” كن كالنهر الذي يجري ولا تكن كالبركة الراكدة، فالنهر يجري بسر الحياة وسر الحياة في جريانه “.
لكن الكثير من الناس يحيدون عن هذة الفطرة الطبيعية فيفضلون الثبات علي التغيير وبدلا من التدفق مع تيار نهر الحياة يتشبثون في نقطة ما علي ضفاف النهر ويظلون عالقين فيها. وقد تكون هذه النقطة وظيفة يقضون حياتهم فيها أو بلدة لاينوون علي الرحيل منها ابداً او سلوك او طريقة تفكير او عادة ظنوا انها تجلب لهم الراحة والمتعة. وبينما هم ثابتون يحدث لهم التغيير ايضاً لأن التغيير كما ذكرنا يحدث دوماً إلا أنه في هذه الحالة يكون تغييراً إلي الأسوأ.
متى يكون التغيير الي الأفضل؟
يكون التغيير الي الأفضل عندما يكون تغييرا مقصودا مخططا وموجها نحو اهداف بعينها، وهو التغيير الذي تصنعه بنفسك لا التغيير الذي يحدث لك بدون تدخل منك، وهنا عليك ان تتوقف وتتأمل التغييرات التي حدثت في حياتك خلال الخمس سنوات الماضيه هل التغيير حدث باختيارك وبإرادتك ام انه فقط حدث في حياتك بدون تدخل منك؟
لنعد الي مثال نهر الحياة، ماذا لو كانت معك مجاديف تتحكم من خلالها في اتجاهك بينما تسير مع تيار النهر، هل سيكون ذلك أفضل؟، بالتأكيد سيكون ذلك أفضل لأنك ستكون سيد حياتك وستختار أفضل الاتجاهات وأكثرها أمانا وكذلك ستكون أقل عرضة للمخاطر والأزمات فقبل ان تصطدم بصخرة او تتعثر بشئ سيكون باستطاعتك ان تبتعد عنها، هذا هو التغيير الموجه المقصود الذي يقودك بسرعة الي ما هو أفضل.
ولكن ما هي المجاديف التي تساعدنا علي التحكم في إتجاهنا في الحياة؟، إنها تلك الأشياء البسيطة والكثيرة التي نفعلها كل يوم والتي تنتج عن نوايانا وأفكارنا والتي تسمي القرارات والسلوكيات.
ان القرارات والسلوكيات التي نتخذها كل يوم هي التي تشكل حياتنا وأي تغيير حتي ولو كان بسيطاً جداً في قراراتنا وسلوكياتنا يحدث تغيير كبير في مستقبلنا ومصيرنا. الأمر يشبه العمل علي إطلاق صاروخ فإن الإنحراف درجتين في قاعدة إطلاق الصاروخ رغم بساطته يغير مسار الصاروخ بالكامل وكلما ابتعد الصاروخ أكثر كلما انحرف أكثر عن مسارة.
فاذا كنت ترغب في صناعة التغيير بنفسك والإمساك بزمام الأمور في حياتك عليك اولاً ان تنتبه للقرارات والسلوكيات البسيطة التي تتخدها كل يوم، لأن إتخاذك قراراً بالخروج الي مكان ما او عمل تليفون ما او التعرف علي شخص ما او إرسال إيميل ما قد يغير مصيرك فعلاً. هذه هي مجاديفك في نهر الحياة الذي يجري وعليك أن تستخدمها جيداً.
تم التحديث في 29 ديسمبر,2018 بواسطة موسوعة الإدمان