يقول باسكال أن ” كرامة الإنسان تكمن في فكره “، وتقول الحكمة الهندية القديمة: ” أنت اليوم حيث أتت بك أفكارك، وستكون غداً حيث تأخذك أفكارك “، بمعنى أن الفكر هو مبدأ الحياة الإنسانية ومصدرها.
وإذا نظرنا إلى طريقة التفكير التي يفكر بها كل إنسان بنظرة فلسفية وحاولنا تفسيرها من منظور التنمية البشرية فإننا سنجد أن هناك نمطين متضادين من التفكير، يسيطر إحداهما أو ربما كلاهما معاً علي تفكير كل إنسان. وأحياناً يكون احدهما هو الغالب علي تفكير الشخص وأحياناً أخرى يكون هناك توازن بينهم، غير أن هذا التوازن لا يحدث إلا إذا انتبه الإنسان إلى طريقة تفكيرة وقام بمحاولات عديدة من أجل إعادة ترتيب وتنظيم أفكارة.
وهذين النمطين من التفكير هما:
1 – نمط التفكير بالمتطلبات.
2 – نمط تفكير بالإمكانات.
ويعني النمط الأول – نمط التفكير بالمتطلبات – أن الشخص يتمحور تفكيره حول ما يفتقده في حياته وما ينقصه من متطلبات.
أما نمط التفكير الثاني – التفكير بالإمكانات – فيعني أن التفكير الغالب علي الشخص يكون متمحور حول قدراته وإمكاناته المتوفرة لديه والتي يعرفها ويحاول الإستفادة منها بقدر المستطاع وكذلك الأشياء التي يستطيع أن يفعلها بإمكاناته.
والفرق بين هذين النمطين من التفكير كبير جداً، بل وخطير جداً أيضاً لدرجة أنه يستحق أن نلقي عليه كل ألوان الضوء مرات عديدة لكي يكون واضحاً تماماً أمام الناس حتى يرتفع وعيهم بذواتهم وبأنماط تفكيرهم وبتأثير كلاً من هذه الأنماط عليهم وعلي حياتهم.
وأما عن تأثير الفكر علي الإنسان وواقعه فإن العلم الحديث أثبت بالتجربة العملية أن الحياة الإنسانية المادية ما هي إلا إمتداد للفكر، وبمعنى آخر فإن كل من الفكر والواقع يمثلان وجهين العملة المعدنية الواحدة. وبينما يفكر الإنسان يشكّل حياته ومصيره مثلما يتشكل الفخّار في يد الصانع.
يقول الفيلسوف الهولندي اسبينوزا: “الفكر امتداد خفي، والإمتداد فكر ظاهري”، ويقول هيجل الفيلسوف الألماني: “كل ما هو عقلي فهو واقعي، وكل ما هو واقعي فهو عقلي”.
ولكن هل من السهل أن يفكر الإنسان ويشكّل مصيره بنفسه؟، يقول الفيلسوف البريطاني براتراند راسل: “معظم الناس يفضّلون الموت علي التفكير … وفي الحقيقة فإن هذا ما يفعلونه!”، بمعنى أن الأكثرية العظمى من البشر لا يتعدى تفكيرهم حدود غرائزهم وتدبير شؤون حياتهم العادية، ولعل ذلك هو سبب الإلحاح الشديد في القرآن الكريم علي المسلمين بضرورة التفكر وإعمال العقل. وهنا يجب أن نفرّق بين من يفكرون وبين من يحدث لهم التفكير بدون قصد منهم، حيث أن اتباع العقل لمتطلبات الغرائز لا يعد تفكيراً كما أنه يجعل من العقل مجرد خادم فقط للغرائز.
كما أن الإنسان يستقبل أكثر من 60000 فكرة يومياً، الأمر الذي يجعل من التحكم في هذا الكم الهائل من الأفكار أمراً صعباً. ولكننا بتصنيفنا لهذه الأفكار وفقاً لهذين النمطين من التفكير – نمط التفكير بالمتطلبات، ونمط التفكير بالإمكانات – سيكون لدينا معيار جديد يُمكننا من معرفة نوعية الأفكار المُهيمنة علي عقولنا وكذلك معرفة كيفية التحكم فيها عن طريق عكسها وتحويلها من نمط التفكير السلبي إلى نمط التفكير الإيجابي.
نمط التفكير السلبي:
والنمط السلبي هو نمط التفكير بالمتطلبات الذي يتمحور فيه تفكير الإنسان حول المتطلبات والنقص والندرة مما يجعله يشعر بالنقص والحاجة دوماً. يقول جبران خليل جبران” وهل الشعور بالحاجة إلا الحاجة بعينها ؟! “.
ويظل الإنسان الذي يغلب علي تفكيره نمط التفكير بالمتطلبات غير راضياً وسجيناً في دائرة الندرة والإحتياج الذي لا يجلب إلا المزيد من الندرة والإحتياج. يقول الكاتب الإغريقي أيسوب: ” من لا يشعر بالرضا في مكان ما يصعب أن يشعر بالسعادة في مكان آخر”.
كما أنه يظل منفعلاً وليس فاعلاً، أي يظل يفكر ويخطط بطريقة رد الفعل ولا يتحرك إلا إذا حدثت مشكلة أو شيئاً يجبره علي التحرك، وهذا علي عكس الإنسان المبادر الذي يفكر ويخطط بطريقة المبادرة بالفعل ويتحرك مبادراً نحو أهدافه وغاياته.
نمط التفكير الإيجابي:
وأما النمط الإيجابي من الأفكار هو نمط التفكير بالإمكانات، الذي يتمحور فيه تفكير الإنسان حول إمكاناته وقدراته، فيفكر في كيفية استثمارها وكيفية الإستفادة القصوى منها، وفي هذا النمط الفكري يشعر الإنسان بالوفرة والقدرة والإشباع والرضا نتيجة تركيزه علي النعم التي أنعم الله بها عليه.
ويظل متنعماً في هذه الدائرة لأن القوانين الكونية كلها تكون في خدمته، فقانون الجذب الذي ينص علي أن (الشبيه يجذب أو يلتهم شبيهه) يجذب إليه المزيد من الوفرة والقدرة والإشباع والرضا، وقانون التركيز الذي ينص علي أن (كل ما تركز عليه يزداد) يجعل إمكاناته في تزايد مستمر نتيجة تركيزه عليها، وقانون الفرص الذي ينص على أن (كلما استغللت الفرص فإن الفرص تتضاعف) يعمل معه علي مضاعفة فرصه في الحياة.
وعلي صعيد العمل يكون فاعلاً مبادراً دائماً بالفعل فيتخذ قرارات جديدة ويخطوا خطوات جديدة ويسلك طرق جديدة لم يعرفها من قبل، وتكون هذه المبادرة ناتجة عن إيمانه بقدراته وإمكاناته التي وهبها الله له. ومثل هذا النوع من الأشخاص تكون صورتهم الذاتية جيدة وثقتهم بأنفسهم مرتفعة. يقول ” جورج سانتايانا” الكاتب والفيلسوف والشاعر الأمريكي : ” بداية السعادة تكمن في معرفة ما هو ممكن”، فهل ساعدك هذا المقال في معرفة طريق سعادتك صديقي القارئ ؟
وقبل أن نختتم هذا اللقاء الرائع علينا أن نتخذ معاً قراراً بتحويل تفكيرنا إلى إمكاناتنا بدلاً من متطلباتنا، وذلك عن طريق خطوة عملية نخطوها معاً نحو المبادرة، وهي خطوة مهمة حقاً، هذه الخطوة تتمثل في قيامك بالتمرينين التاليين ..
1 – أكتب في الخانة اليمنى أكبر عدد من إمكاناتك، وفي الخانة المقابلة أكتب طرق الإستفادة منها.
إمكاناتي | كيفية الإستفادة القصوى منها |
1-
2- 3- 4- 5- 6- 7- 8- 9- 10- – – – – – – |
2 – أكتب أكبر عدد من الأشياء التي تستطيع فعلها
أســــــــــــــــــــــــــــــــــتطيع |
1-
2- 3- 4- 5- 6- 7- 8- 9- 10- – – – – – |
وعندما تتحدث في الهاتف وفي يدك ورقة وقلم لا تقم بالرسم والشخبطة الغير مفهومة بل أكتب كلمة أستطيـــــــــــــــــع. أكتبها مئات المرات وأنت تفكر في أهدافك، هذا تدريب فعّال.
ونتيجة لتركيز أفكارك علي قدراتك وإمكاناتك ستتحسن صورتك الذاتية وسيرتفك تقديرك لذاتك وستشعر بالقوة والثقة بالنفس وستكون علي تواصل دائم مع أفضل ما فيك وستحصل من فضائلك علي أقصى ما تعطي.
تم التحديث في 17 يناير,2019 بواسطة موسوعة الإدمان