ان التسويف والمماطلة وتأجيل المهام والأعمال مرة بعد أخرى هي من أكبر مشكلاتنا النفسية، بل انها مشكلة كل انسان لديه مشكلة، ذلك لأنه يجد أن عليه القيام بالكثير من المهام والأعمال التي ينبغي عليه القيام بها ولكنه يجد نفسه يؤجل البدء في القيام بهذه المهام أو يؤجل إتمامها إلي وقت آخر.
ونحن عندما نتحدث عن التسويف نقصد به تأجيل بدء المهمة وكذلك تأجيل إنهائها إلي وقت لاحق. فإذا كنت تعاني لكي تبدأ في أداء أعمال تعرف أنها مهمة، أو تمضي الكثير للغاية من الوقت في أعمال تافهة، أو تبدأ في شراء احتياجات المواسم والأعياد قبلها بيوم واحد فقط، أو تذهب إلي الطبيب بعد أشهر من شعورك بأن هناك شيئاً ما بك ليس علي ما يرام، أو تبدأ عادةً بعض الاعمال بعد الوقت المحدد لذلك، لأنك في حاجة إلي ذلك النوع من القلق الذي يدفعك الي الإنجاز، فإنك بذلك يا صديقي تكون مسوّفاً.
لا تقلق، فلست وحدك الذي تعاني من مشكلة التسويف، حيث أن بعض الاحصاءات تشير إلي ان نسبة من يعانون من التسويف المزمن تتراوح ما بين 15% إلي 20% من عدد السكان. وفى عصرنا الذي تتزايد فيه المغريات صعبة المقاومة، والتي تتنافس علي التهام وقتك وتعطيلك عن القيام بأعمالك التي تريد القيام بها، فان مشكلة التسويف أصبحت هي المشكلة الأكثر انتشاراً بين كل الناس.
وإذا كنت تريد أن تتخلص بصدق من تلك العادة السيئة التي تعطلك عن العمل والإنجاز وإحراز النجاح، فإن أول ما عليك فعله هو أن تعترف بأنك مسوّف، لأن الاعتراف بالمشكلة هو أول خطوة باتجاه حلها. فإذا سألتك الآن هل أنت مسوّف؟ فإن عليك أن تعترف أمام نفسك وأمامي بأنك مسوّف، ويفضل أن تقولها بصوت مرتفع ” نعم أنا مسوف، أنا مسوّف وأريد التخلص من هذه العادة”.
وعكس التسويف هو تحفيز الذات، ما يعني أن المكافأة التي ستجنيها من وراء التخلص من عادة التسويف المعطلة هي عادة تحفيز الذات التي تجعلك متميزاً عن من حولك، ولا شك اننا بحاجة إلي هذه المهارة خصوصاً في بيئات العمل العصرية التي تتسم بمستوى عالي من التنافسية.
ومشكلة التسويف ليست مشكلة سهلة، وليست مشكلة صعبة. كل ما هنالك انها ليست مشكلة قائمة بذاتها، ولكنها مثلها مثل العديد من المشكلات لدينا، استجابة لمشكلات أخرى تخلق حالة من التفاعل المتسلسل. فعندما تسوّف، فانت تحاول حل مشكلة أخرى. لذلك علينا أن نبحث عن المشكلات التي تسببت في ظهور مشكلة التسويف.
ولقد قام الدكتور “بيرس ستيل”، الأستاذ في كلية هاسكين لإدارة الأعمال بجامعة كالجاري بالبحث في هذا الموضوع، وتوصّل إلي معادلة تفسّر وتتنبأ بسلوك التسويف، وتتكون هذه المعادلة من أربعة عوامل مختلفة يمكننا من خلالهما معرفة المشكلات المتسببة في سلوك التسويف، وهذه المعادلة هي ..
ت ق / م ح
بمعنى ( ت x ق ) مقسومة علي ( م xح )
حيث ان (ت) ترمز إلي التوقع، و (ق) ترمز إلي القيمة، و (م) ترمز إلي الموعد النهائي، و (ح) ترمز إلي حساسية الفرد.
وللتوضيح أكثر يمكننا صياغة المعادلة مرة أخرى بالشكل التالي..
التوقع x القيمة مقسوم على الموعد النهائي x حساسية الفرد
وفيما يلي شرح لكل منهما..
التوقع (ت): هو توقعك عن مدى استطاعتك علي تحقيق المهمة، فهل يمكنك حقاً البدء في المهمة التي بين يدك وإنهائها في الوقت المناسب لذلك؟، إذا توقعت أنك لا تمتلك القدرة أو المهارة لإتمامها، أو توقعت أنها ضخمة جدا أو مرهقة للغاية، فمن شبه المؤكد أنك ستسوّفها. اما إذا توقعت أنك قادر علي إتمامها في الوقت المحدد، فمن المؤكد أنك ستقوم بها. ان الحكمة القديمة التي تقول: ” سواء كنت تعتقد أنك تقدر أو لا تقدر، فأنت علي حق” هي حكمة صحيحة تماماً، فكلما ازداد إحساسك وتوقعك بأنك كفء وتستطيع اتمام المهمة، قلت احتمالات تأجيلك لها.
القيمة (ق): قيمة الشيء ثمنه، فما هو الثمن أو القيمة وراء إتمامك لهذه المهمة؟، هذا هو السؤال الذي عليك أن تسأله لنفسك لمعرفة قيمة المهمة التي ترغب في القيام بها، والقيمة هي العائد الذي سيعود عليك بعد انهائك للمهمة، ولكل شيء قيمة، وعليك أن تستشعر القيمة وراء المهمة التي ترغب في اتمامها، لأنه كلما قلت القيمة التي يضيفها عقلك علي المهمة، كلما زادت احتمالات قيامك بتسويفها، وكلما زادت قيمة المهمة أو العمل بالنسبة لك، كلما قلت احتمالات لجوئك للتأجيل. فوجه تفكيرك نحو المنافع والمتع التي ستحصل عليها جزاء اتمامك للمهمة من أجل تحفيز نفسك علي القيام بها.
الموعد النهائي (م): ما أقرب وقت يجب إنهاء المهمة فيه؟ وهل هذا هو الموعد النهائي لإتمام المهمة؟، ولهذا العامل دور كبير في سلوك التسويف، حيث يلاحظ أنه كلما كان وقت المهمة ضيقاً، كلما قل احتمال أن يقوم الشخص المكلف بأدائها بالتسويف. وكلما ازداد بعد الموعد النهائي لإتمام المهمة، ازداد احتمال ان يقوم الشخص بالتسويف. لذلك نرى الكثير من الطلاب يؤجلون مذاكرة دروسهم بسبب بعد موعد الامتحانات، ويذاكرون عندما يقترب الموعد النهائي لامتحاناتهم. وينبغي عليك أن تعطي نفسك براحاً من الوقت وان لا تترك انهاء المهمة لآخر الوقت تحسباً للعوائق التي من الممكن ان تعطلك أثناء قيامك بالمهمة.
حساسية الفرد (ح): بمعنى حساسية الفرد تجاه مدى الرغبة في المهمة. إن العقل يقاوم الأشياء التي لا يرغبها أو لا تروق له، ويميل إلي تأجيلها. وكلما كانت المهمة تروق لك ولديك رغبة في اتمامها، كلما زادت احتمالات أنك ستقوم بها، وكلما كانت المهمة غير مرغوبة بالنسبة لك، كلما زادت احتمالات تأجيلك وتسويفك للمهمة. وعليك أيضاً أن تقوي هذا العامل بالعمل علي زيادة رغبتك في المهمة، ويكون ذلك بعمل قائمة ضخمة من المتع والفوائد والملذات التي ستحصل عليها عندما تنهي المهمة، ويمكنك أيضاً عمل قائمة أخري بالثمن الذي ستدفعه أو الخسائر المترتبة علي عدم قيامك بهذه المهمة. هذا من أجل تعزيز عامل حساسيتك للرغبة في اتمام مهمتك.
وهكذا فانه يمكننا التنبؤ بسلوك التسويف من خلال هذه العوامل الاربعة للمعادلة وطرح الأسئلة التالية ..
1. توقع النجاح ( هل يمكنني فعل المهمة واتمامها بشكل جيد؟ ).
2. قيمة استكمال المهمة ( ما اهمية استكمال المهمة بالنسبة لي؟ ).
3. الموعد النهائي للمهمة ( ما أسرع وقت يجب الانتهاء من المهمة بحلوله؟ )
4. حساسية الفرد تجاه المهمة ( إلي أي مدى أحب القيام بهذا الأمر )
وبالإضافة إلي ان هذه العوامل الأربع للمعادلة تساعدنا علي التنبأ بسلوك التسويف لمهمة ما أو مشروع ما، فإنها تضع ايدينا علي العوامل التي تتحكم في سلوك التسويف لدينا، ولا شك أننا إذا تمكنّا من التحكم في تلك العوامل الأربع سنتخلص تماماً من مشكلة التسويف ونستبدلها بعادة أخرى جديدة هي تحفيز الذات.
تم التحديث في 8 أبريل,2019 بواسطة موسوعة الإدمان
من اسباب التسويف انعدام المسؤلية والخوف من المخاطرة والقلق والنسيان
شكرا على المقال