إننا نحن البشر كائنات إجتماعية، نحتاج إلى الأشخاص والكائنات في حياتنا حتى نتفاعل معهم، ولا يمكننا أن نعيش بمعزل عن الأشخاص والكائنات لأنهم يكوّنون البيئة الإجتماعية التي نحيا فيها، وهذه البيئة الإجتماعية جزأ أصيل وأساسي من وجودنا الإنساني. ولعل ذلك ما جعل الفيلسوف اليوناني أرسطو يعتبر أن الإنسان حيوان إجتماعي وسياسي بطبعيته.
والسلوك الإنساني هو الطريقة التي يتفاعل بها الإنسان مع ما يحيط به من الأشخاص والكائنات المحيطة، وهذا السلوك لا يخرج عن كونه نوعاً مما يسميه علماء الحياة (تكيف الكائن الحي للبيئة المحيطة به) حيث أنه من المعروف أن الكائنات الحية بمختلف أنواعها وصنوفها تتفاعل مع البيئة، وتتكيف لظروفها تكيفاً غايته ضمان الحياة واستمرار النمو وبقاء النوع. وكذلك الإنسان عندما يتعامل مع بيئته المادية والإجتماعية، فإنه يفصح عن سلوك لا يخرج عن كونه نوعاً من أنواع التكيف للبيئة.
ويجب أن نفهم هذا المفهوم – مفهوم التكيف – بشكل جيد وبدون تسطيح، لأنه بالفعل مفهوم عميق حيث أن للبيئة أثراً كبيراً وعميقاً علي شخصية الإنسان. وإذا شبهنا البيئة بالوعاء فإن الإنسان يكون مثل الماء الذي يتم وضعه في داخل الوعاء والذي يتخذ نفس شكل الوعاء، فإذا كان الوعاء مستديراً يتخذ الماء شكلاً مستديراً مثل الوعاء وإذا كان شكل الوعاء مربعاً فإن الماء يتخذ نفس الشكل المربع للوعاء. وهذا النوع من التكيف هو ما يسمى في علم النفس بــ (التكيف النفسي).
ومن خلال إحداث التغيير في بيئة الإنسان يمكن بسهولة إحداث التغيير في الإنسان نفسه، والأمثلة عديدة في الواقع علي مثل هذا التغيير الذي يحدث بسبب تغيير البيئة المحيطة، ومنها علي سبيل المثال إنتقال الشخص من بلد إلي بلد أخرى ذات بيئة إجتماعية مختلفه فإنه يتكيف مع البيئة الجديدة فيكتسب لغة وعادات البيئة الجديدة.
هذا يحدث كثيراً وباستمرار مع أي انسان ولكنه يحدث غالباً لا إرادياً وبدون قصد، فلا نجد أحد يقول أريد تغيير بيئتي والذهاب إلي أوربا لكي أغير من نفسي، أو أريد أن أترك عملي وأذهب للعمل علي مركب صيد لكي أغير من نفسي!، أو أريد أن أغير منزلي لكي أغير من نفسي، ولكننا ببساطة نتكيف مع البيئة التي نجد أنفسنا فيها أياً كان نوع وشكل هذه البيئة.
ولكن هناك أمثلة أخرى علي تغيير الإنسان تغييراً مقصوداً وموجهاً عن طريق تغيير بيئته والتحكم فيها. منها علي سبيل المثال التجارب التي أجراها العلماء السلوكيين علي مجموعات من الشباب في معسكرات التدريب حيث تم التحكم في كل عناصر بيئة المعسكر التدريبي مثل الأنشطة والمحاضرات وورش العمل التي كانت تشارك فيها كل مجموعة من المجموعات الشبابية، وعندما أرادوا العلماء جعل الشباب يتصرفون بعدائية انتشر العداء في أنحاء المعسكر وانتشرت الخلافات والصراعات العنيفة بين الشباب، ثم بعد ذلك وبنفس الأسلوب قام العلماء بجعلهم يتصرفون بحب فساد الحب والسلام في كل أنحاء المعسكر.
ومثال آخر علي تغيير شخصية الإنسان من خلال تغيير بيئته، الأسلوب المُحكم الذي تتبعه الإدارات العسكرية في إحداث التغيير السريع في شخصية المجندين الجدد، فنجد أن المجند بمجرد تسجيله في التجنيد يُفرض عليه الإنتقال إلى مكان آخر وبيئة أخرى تماماً تفرض عليه ملابس موحده ونظام معين يتبعه في التمارين الرياضية والعسكرية يكون مصمماً أيضاً لغرس قناعات بعينها في شخصية المجند، كما يفرض عليه إتباع نظام محدد في كل شيئ، ويتم إجباره علي الإستجابة والتكيف مع هذا النظام البيئي الجديد، وبذلك يحدث في شخصيته تغييراً كبيراً في فترة زمنية قصيرة.
إن الإنسان نتاج البيئة وثمرة طبيعية لها، فإذا أردنا إحداث التغيير في الإنسان علينا أن ننظر بعمق في البيئة التي يحيا فيها وأن نغير في البيئة أولاً. ينطبق هذا علي كل إنسان وكل بيئة، فإذا أردت تغيير سلوك موظفين شركتك فلتغير أولاً في بيئة العمل، وإذا أردت تغيير سلوك أطفالك فلتغير في بيئة المنزل والمدرسة وهكذا.
أما إذا أردت التغيير من نفسك فلتنظر في البيئة التي تحيط بك وتحيا فيها نظرةً متعمقة لكي تستطيع ان تكتشف العناصر التي إذا غيرتها سيترتب عليها تغييراً في نفسك. ولا شك أن هذه المهارة – مهارة التحكم في المحيط – هي من أهم سمات الأشخاص الناجحين.
تم التحديث في 18 يناير,2019 بواسطة موسوعة الإدمان