لكل شيء أسبابه، ولكل سلوك بشري أسباب دافعه تدفع الشخص إلي ممارسة هذا السلوك، أو أسباب مانعة تمنع الشخص عن التوقف عن هذا السلوك أو تمنعه عن ممارسة السلوك.
والأسباب الدافعة والأسباب المانعة للإدمان هي التي تكون الدافع الداخلي الباطني الخفي وراء ممارسة هذا السلوك أو ذاك، وبالوقوف علي هذه الأسباب الدافعة والمانعة يمكننا معرفة نوعية الدوافع التي تدفعنا إلي ممارسة سلوك بعينة مثل سلوك الادمان أو أي سلوك آخر.
وقد يرغب الإنسان في شيء مثل الإقلاع عن التدخين أو ممارسة الرياضة، ولكن أسبابه الدافعة إلي التدخين تظل تدفعه إلي ممارسة عادة التدخين، وأسبابه المانعة عن الإقلاع عن التدخين تظل تمنعه عن الإقلاع وترك التدخين، وذلك دون وعي ودون إدراك لذلك.
وقد يستغرب الإنسان نفسه كما يحدث في حالة المدخن الذي يسأل نفسه باستغراب قائلاً: “لماذا لا أستطيع الإقلاع عن التدخين ؟”، ولا يعرف لذلك السؤال جواباً، إلا أن الجواب يكمن في أن وراء كل سلوك يمارسه الإنسان أسباب تدفعه إلي ممارسة هذا السلوك، وأسباب تمنعه من التوقف عن هذا السلوك، ولكنه لا يدرك تلك الأسباب جيداً.
والسبب في عدم ادراك الإنسان لتلك الأسباب أن العقل دائماً يفضل الطريقة السهلة في التفكير، والراحة، والتي هي النظرة السطحية العابرة للأمور دون التعمق فيها واجهاد الذهن في معرفة العلة وراء المعلول، ومعرفة الأسباب المتداخلة وراء الأشياء، ومن جانب آخر يعود السبب أيضاً في عدم إدراك الإنسان لتلك الأسباب الدافعة والمانعة أنه في كثير من الأحيان تكون الأسباب متداخلة ومعقدة مثل شبكة العنكبوت الكثيفة، ما يجعل من تحليلها عبئاً ثقيلاً علي المخ فيغفلها ويهرب من تحليلها وتفسيرها.
ولذلك فان هناك الكثير والكثير من السلوكيات التي يفعلها الانسان ولا يستطيع تغييرها، ومن هنا يأتي دور المتخصصين الذين لديهم القدرة علي الفحص والتفسير من خلال نظرتهم المتعمقة في السلوك وما وراءه من أسباب دافعه وأسباب مانعة، ويضعون يدهم علي المشكلة أو السبب ويعالجونه من خلال المناهج الفنية المعدة لذلك والتي أثبتت التجربة الحسية صحتها، ولا شك في أن النظرة المتعمقة للأخصائي تكشف أكثر بكثير من النظرة العابرة التي ينظر بها الشخص العادي للأمور. ولذلك يجب علينا التحلي بطلب المساعدة من هؤلاء الاخصائيين النفسيين الذين يكرسون جل وقتهم للنظر في السلوك الإنساني وتحليل أسبابه الخفية والمتداخلة والمعقدة.
وفيما يلي سنقوم بإجراء عملية تحليل وتفسير للأسباب الدافعة والمانعة وراء السلوك الإدماني علي تعاطي المخدرات، والذي يعني العجز عن الاستغناء عن المخدرات بسهولة، وهو أمر معقد لا يمكن القول أنه يعود إلي موضوعاً واحداً أو سبباً واحداً وإنما يعود إلي مجموعة معقدة ومتداخلة من الأسباب الدافعة والمانعة في آن واحد والمترسبة في أعماق العقل اللاواعي، غير أن التفكير السطحي لا يأخذها بعين الاعتبار، أو ينظر إليها علي أنها شيء عادي ليس له أهمية، وذلك من أجل الهروب من حالة الإجهاد الذهني كما ذكرنا.
وهذا الأمر يجعل من عملية العلاج عملية صعبة، اذ لابد للشخص وللمعالج معه من مواجهة عدد كبير من الأسباب المتشابكة ومعالجتها واحداً تلو الآخر، مما يجعل عملية العلاج تأخذ وقتاً. وللحق فإن أسباب الإدمان علي المخدرات كثيرة، أكثر من أن نحصيها كاملة في مقال أو سلسلة قصيرة من المقالات، بل انها تحتاج كتاباً كبيراً كاملاً علي أقل تقدير، ولكننا في الأجزاء التالية من هذا المقال سنكتفي بعملية جراحية بسيطة نسلط الضوء فيها علي أهم وأبرز الأسباب التي تدفع الشخص إلي تعاطي المخدرات، والتي تمنعه عن التوقف عنها في نفس الوقت، وهذه مجرد عملية جراحية أولى فقط … فإلى اللقاء في الجزء الثاني …
تم التحديث في 4 مايو,2019 بواسطة موسوعة الإدمان