خلق الإنسان ليفوز، ولكنه في خلال حياته، وبسبب الأفكار والمعتقدات التي يتم تنشأته عليها، والتي بُنيت علي أساسها مجتمعاتنا للأسف الشديد، فإنه يتم تهيئته للخسارة والهزيمة.
ومن أهم هذه الأفكار والمعتقدات التي تلعب دوراً أساسياً في توجيه الإنسان وتحفيزه، أو إحباطه، هي الصورة الذاتية التي يرى بها نفسه، والتي تكون عبارة عن تقييم وتقدير عام لنفسه وقدراته وإمكاناته، وبالتالي ما يمكن أن يحققه في الحياة.
إن الصورة الذاتية هي مفهومك عن نفسك، من أنت وما تكون وما تمثله. انها الطريقة التي ترى بها نفسك، وهذه الطريقة التي ترى بها نفسك هي التي تحدد مدى قدرتك، ومقدار تفاعلك مع تجارب الحياة وإمكاناتها، وبالتالي ما تثمر عنه حياتك.
انها كالمغناطيس، تجذب ما يتوافق مع ما تؤمن به وتشعر به حيال نفسك. ذلك لأنك لا تستطيع أن تؤدي بطريقة لا تتسق ولا تتفق مع الطريقة التي تري بها نفسك. فإذا رأيت نفسك علي أنك شخص قادر ذو قيمة واستحقاق، فستكون وستفعل وستمتلك ذلك فعلاً. وإذا رأيت نفسك علي أنك شخص عديم القدرة وعديم القيمة، فستكون ذلك أيضاً.
وعلي سبيل المثال: من السهل عليك المشي فوق لوح خشبي عرضه 30 سنتيمتر موضوع علي الأرض.
ولكن إذا وضعنا نفس هذا اللوح بين اثنين من المباني التي ترتفع لعشرة طوابق، فسيكون المشي علي اللوح أمراً مختلفاً تماماً، أليس كذلك؟
انك تري نفسك في الحالة الأولى تمشي بسهولة وأمان علي اللوح. وفي الحالة الثانية تري نفسك تسقط من فوق اللوح الممدود بين المباني. لذلك فان عقلك يحذرك لأنه يعرف أنك قد تسقط فعلاً كما تصورت في عقلك.
دور الآخرين في تشكيل الصورة الذاتية
وللآخرين دوراً كبيراً في تشكيل صورتك الذاتية، ذلك لأن هناك قانون ينص علي أن ( الترابط يصنع التشابه ) تحدث عنه عالم الأديان السويسري “جون لافاتر” مؤكداً علي أن الأشخاص يتطابقون ويتشابهون عندما يرتبطون ببعضهم البعض، ليس فقط علي المستوى السيكولوجي النفسي بل أيضا علي المستوى البيولوجي الجسدي، بمعنى أنهم يتشابهون في الملامح أيضاً، ولذلك نجد الأزواج من كبار السن يتشابهون.
لذلك فان الإرتباط بأشخاص تتكامل سماتهم مع الجوانب الإيجابية عندك يعزز من صورتك الذاتية. وكذلك الإرتباط بأشخاص سلبيين محبطين ينتقدون آرائك وخبراتك يجعل صورتك الذاتية تنحدر إلي الأسفل. ولنأخذ مثالاً علي ذلك أيضاً..
تخيل ان جرس هاتفك يرن، وعلي الطرف الآخر تسمع صوتاً يقول لك: ” لا تنزعج يا صديقي. لست أرغب في أقتراض أي نقود منك، ولست أطلب منك تقديم خدمة لي. لقد خطر لي فحسب أن أتصل بك وأخبرك بأنني أعتقد أنك أحد أفضل الأشخاص الذين عرفتهم علي الإطلاق. إنك تمثل قيمة كبيرة في مهنتك وتستحق فخر وثقة مجتمعك. إنك ذلك النوع من الأشخاص الذين أحب أن أكون معهم لأنني في كل مرة أكون معك فيها أشعر بالتشجيع والإلهام والتحفيز للقيام بعمل أفضل في مجالي. كنت أتمنى لو أنني أستطيع أن أراك كل يوم لأنك تحفّزني لأكون أفضل ما يمكنني أن أكونه. هذا كل ما أردت قوله لك يا صديقي. أتطلع لرؤيتك قريباً.”
ماذا إذا اتصل بك أحد الأصدقاء المقربين وقال لك هذه الكلمات، كيف سيكون شعورك؟، وكيف سيكون يومك؟، وأنت تعرف أن هذه الكلمات صادقة ومخلصة لأنها كلمات صديقك المقرب.
فإذا كنت طبيباً، فهل ستصبح طبيباً أفضل؟، وإذا كنت معلماً، فهل كنت ستصبح معلماً أفضل؟، وإذا كنت موظف مبيعات، فهل كنت ستصبح موظف مبيعات أفضل؟، وإذا كنتِ أماً، فهل كنتِ ستصبحين أماً أفضل؟.
هل كنت ستصبح أفضل بغض النظر عمن تكون أو عما تفعل بسبب هذه الكلمات؟، بالتأكيد ستصبح أفضل، ليس في عملك فحسب، ولكنك أيضاً ستصبح أكثر سعادة، أليس كذلك؟
ان صديقك هذا لم يعلّمك أي شئ في مجال عملك لكي تصبح أفضل، إنه فقط قام بتحسين صورتك الذاتيه عن نفسك، وذلك وحده كفيل بأن يجعلك انسان أفضل.
شاهد من هنا الفيديو الأول من سلسلة الصورة الذاتية:
تم التحديث في 27 مارس,2019 بواسطة موسوعة الإدمان