الأكثرية الهائمة هم الأغلبية العظمى من البشر الذين لا يخططون لما يفعلون ولا يمتلكون أهدافاً يعيشون من أجلها ولا أحلاماً لكي يضحون في سبيلها، وهم لا يفكرون، بل يحدث لهم التفكير بدون قصد منهم، فغرائزهم هي التي توجه عقولهم لذلك فانهم لا يعقلون كما وصفهم القرآن الكريم.
وهي الأكثرية الضالة أيضا التي أشار إليها القرآن الكريم في قول الله تعالى (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ).
انهم الكثيرين من الناس الذين ليس لديهم هدف يخططون للوصول إليه، ويعيشون في حالة شرود وتشتت، لذلك لا يصلون الي شيء ولا يحققون شيء، لماذا؟ لأنهم يخافون من التغيير، ويخافون من المجهول، والسبب ان غرائزهم تري ان وضعهم الراهن هو الأمثل طالما أنه يوفر الحد الأدنى من الأمان، فالغرائز لا تُفضّل المجازفة وتدافع دائماً عن الحد الأدنى للأمن الذي يضمن البقاء، وهناك أمر آخر أخطر من ذلك، هو خوفهم من أن تتحقق أحلامهم.
انهم يفضلون العيش علي أمل أن تتحقق أحلامهم في يوم ما ولكنهم في نفس الوقت يخافون أن تتحقق أحلامهم لكي لا يفقدون الأمل الذي يعيشون عليه، فهم يشعرون بالندرة والحياة في نظرهم فقيرة وليس هناك المزيد فيها لكي يعلّقون آمالهم عليه.
وهم يكتفون بنشوة الأحلام والأماني بل وأدمنوا نشوة الأحلام، ولكنهم لم يجرّبوا نشوة الانتصارات والانجازات وتحويل الأحلام الي واقع من صنعهم، فهم يفضلون الأسهل دائماً، والأسهل هو التمنّي وليس الإنجاز.
ان الأكثرية الهائمة من البشر يبدون وكأنهم عُمي، يهيمون في الدنيا علي غير هدى وليس لديهم أهداف ثابته ولا رؤية ولا خطة استراتيجية للمستقبل، وكل ما لديهم هو طموح غير واضح وأحلام ضبابية ورغبة مشتتة في الحصول علي أي شيء دون تحديد، لذلك فهم يتموكبون مع الرائجة ويفعلون كما يفعل الآخرين دون حتى ان يعرفوا ماذا يريدون حقاً.
انهم يشبهون نوع من الحشرات تمشي في موكب دائماً، والتي كان يدرسها باحث فرنسي وأجري عليها بعض التجارب وفي واحدة من هذه التجارب وضع لهم زهرية ورد وجعلهم يسيرون في موكب علي شكل دائرة حولها، ثم بعد ذلك رفع الزهرية ووضع في منتصف الدائرة غذائهم المفضل ليري ان كانوا سيتخلون عن تموكبهم هذا ويكسرون تلك الحلقة المفرغة ويذهبون ليأكلوا أكلهم المفضل ام لا، وكانت النتيجة انهم ظلوا يسيرون في موكبهم لمدة اسبوع الي ان أنهكهم الجوع وهلكوا جميعا.
انهم يطلبون من أنفسهم أمور صعبة جداً، بل يطلبون من أنفسهم المستحيل مثل فكرة الكمال، وفكرة القوة في كل شيء، وفكرة السيطرة علي كل شيء، وحين لا يمكنهم تحقيق ذلك يلومون انفسهم بانهم ليسوا علي المستوى المطلوب من الكفاءة وتهتز وتتدهور ثقتهم بأنفسهم في كل مرة لا يحققون فيها ما يتمنونه من كمال، الامر الذي يضعفهم في كل مرة، وهكذا يظلون سجناء في تلك الحلقة المفرغة.
وهم يتناحرون ويتصارعون علي الفتات لأنهم لا يؤمنون بالوفرة التي في الحياة، بل يؤمنون بالفقر والنُدرة وبأن الحياة ما هي إلا فُتات يجب الصراع عليه والحرب من أجله، ولذلك يتصارعون مع بعضهم البعض ويجرحون بعضهم البعض بكل أشكال الجراح وهكذا يخسرون بعضهم البعض وكذلك يخسرون القوة، قوة التعاون الجماعي وقوتهم الفردية أيضاً، لذلك فانهم الأكثر ضعفاً حتى ولو أبدوا غير ذلك.
انهم فوّضويون لا يحبون النظام ويعلّقون آمالهم وطموحاتهم علي الفوضى، ويريدون ان تحقق لهم الفوضى النجاح والسعادة ويعتبرون النظام عبئ ثقيل عليهم، واذا حدثتهم عن النظام الذي يحكم الكون لا ينصتون لأنهم لا يحبون ان يسمعوا شيئا عن النظام ويعرفون انهم لن يلتزموا به، ولهذا فإنهم يفشلون كثيراً ولا يكون نجاحهم إلا صدفة. إنهم سجناء الفوضى وسجناء الأحلام الأسطورية وسجناء الندرة وسجناء الوهم.
انهم لا يتأملون النظام الذي خلق الله به الكون ولا يفهمون ان العالم مثل رقعة الشطرنج، وان أفعالهم مثل قطع الشطرنج، وان قوانين اللعبة هي النظام الكوني وقوانين الطبيعة وسنن الله في الكون.
فحاول عزيزي القارئ ان لا تكون منهم، ولا تيأس من المحاولة.
تم التحديث في 17 مايو,2019 بواسطة موسوعة الإدمان