ظاهرة إدمان الإنترنت والكمبيوتر من أكثر الظواهر الاجتماعية الحديثة التي ترتبط بشكل مباشر بالسلوك الإدماني. وبصرف النظر عن الإيجابيات التي لا تُحصي للكمبيوتر والإنترنت أو سلبياتها أيضاً، فإننا نتحدث هنا عن علاقة كل منهما بالسلوك الإدماني والذي أشرنا إلي تشخيصه في مقال سابق وكان من أبرز السمات التي تدل علي وجود السلوك الإدماني هي الاستمرارية والتورّط والتدهور، ونحن عندما نتحدث عن إدمان الكمبيوتر والإنترنت أو إدمان أي شيء آخر فإننا نشخّص الإدمان من خلال هذه السمات التي يتسم بها السلوك الإدماني.
ولقد وجد بعض الناس في الكمبيوتر والإنترنت طريقاً جديداً للهروب من ضغوط الحياة اليومية، أو طريقة جديدة للتنفيس عن تلك الضغوط، أو حتى وجدوا فيه وسيلة للتعامل مع الغضب ومشاركة أعمق مشاعرهم وإقامة علاقات مع آخرين غرباء من بلاد بعيدة عن طريق غرف المحادثة ( شات روم) أو عن طريق تبادل الرسائل الإلكترونية عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو التواصل الصوتي والمرئي عن طريق برامج التواصل المباشر، وكل هذه قنوات اجتماعية غير طبيعية لديها المقدرة علي ترويج وإقامة التبادل الفكري والعاطفي بين الناس حول العالم، حتى أصبحت هذه القنوات الاجتماعية الافتراضية تنافس القنوات الطبيعية للتفاعل الاجتماعي والحوار الطبيعي وطرق التواصل الطبيعية بين الناس.
ولأنها توفر لهم مستوى عالي جداً من السرية والخصوصية فإنهم يثقون بها ويكون من السهل عليهم مشاركة أعمق أسرارهم ومشاعرهم ودوافعهم مع آخرين بعيدين غرباء. وكل هذا جعلها تأخذ عند البعض مكان الطرق الطبيعية للمشاركة والتواصل الإنساني، حتى أن البعض يقع في غرام الآخر من خلال شبكة الإنترنت ويقضي ساعات طويلة جداً أمام الشاشة. وهكذا فإن الاستمرار علي العادة والتورّط فيها يعد من أكبر دلالات الإدمان، فكما أن المدمن يستمر في التعاطي ثم يتورّط أكثر بزيادة جرعته من المخدر يستمر أيضاً مدمن الانترنت في علاقاته الالكترونية ويتورط فيها بزيادة الوقت الذي يقضيه علي الشبكة وزيادة صلاته وعلاقاته الافتراضية حتى يصبح من الصعب عليه الانفصال عن هذا العالم الافتراضي.
ويبدو أن هذا الأسلوب الحديث للتواصل قد ساعد أولئك الناس الذين يعانون من نقص عاطفي واجتماعي علي أن يتواصلوا مع من يرغبون في التواصل معهم، ولكن هذا يأتي بالتأكيد علي حساب علاقاتهم الاجتماعية الطبيعية، فقد أصبحوا أكثر تواصلاً عن طريق شبكة الإنترنت ولكنهم انفصلوا عن واقعهم الاجتماعي. مما يعني أن الإنترنت قرّبهم من البعيدين وفي نفس الوقت أبعدهم عن القريبين.
ومع الاستمرار في الاعتماد علي هذا النوع من التواصل فإن الأمر يزداد سواءً، حيث يزداد التورّط في هذه العلاقات الافتراضية الغير طبيعية والانعزال عن العلاقات الطبيعية، ويشعر المستخدم للإنترنت بالانعزالية وعدم الاطمئنان العاطفي نتيجة لذلك التعلّق المرضي بالكمبيوتر وشبكة الإنترنت. وهذه هي السمة الثالثة من سمات الإدمان وهي التدهور، حيث تتدهور حالة مدمن الإنترنت الاجتماعية والنفسية نتيجة إدمانه للإنترنت.
وهكذا يتضح ان إدمان الإنترنت ليس أقل خطورة من باقي أنواع الإدمان الأخرى، بل أحياناً يصبح أكثر خطورة عندما يتعايش الشخص معه دون الاعتراف بأنه مشكلة تحتاج إلي حل أو مرض يستوجب العلاج، والأخطر من ذلك أنه يصبح نمط سلوكي يميز أبناء عصرنا وينغرس في جيناتنا ويمرر للأجيال القادمة، وعندئذ سيصبح جزأ من الطبيعة البشرية.
ان الأمر يحتاج إلي تأمل تاريخ التطور الإنساني ودراسة تأثير الظواهر الاجتماعية التي اندمجت وامتزجت مع الجينات البشرية علي مر العصور لكي نستطيع التنبأ بمآلات هذه الظاهرة، ظاهرة إدمان الإنترنت.
تم التحديث في 30 أبريل,2019 بواسطة موسوعة الإدمان